آراب فاينانس: كشف خبراء ومسؤولون في مجال صناعة الإلكترونيات والاتصالات عن عدد من التحديات التي تواجه توطين صناعة الرقائق الإلكترونية في مصر، وذلك بعد دعوة مجلس الوزراء لـ توطين تصنيع الرقائق الإلكترونية، وما تتضمنه من التعاقد مع استشاري عالمي لوضع تصور واستراتيجية لتوطين صناعة الرقائق الإلكترونية والخلايا الشمسية، واستمرار جهود تدريب الكوادر البشرية في مجال الإلكترونيات، بالتكامل مع جهود جذب الاستثمارات لهذه الصناعات.
ميزة نسبية
وأكد الخبراء، على ضرورة نقل هذه التكنولوجيا إلى مصر خاصة أنها تمتلك بعض من مقوماتها وهى المواد الخام الممثلة في الرمال البيضاء والسوداء والتي تتسم بنقاء شديد ما يمثل ميزة نسبية لمصر في هذه الصناعة.
وقال المهندس زياد عبد التواب، مساعد الأمين العام لمجلس الوزراء لنظم المعلومات والتحول الرقمي، في تصريحات حصرية لـ آراب فاينانس إن صناعة الرقائق الإلكترونية أصبحت الآن أحد أهم الصناعات حول العالم، وقد تأثر الاقتصاد العالمي خلال أزمة كورونا عندما حدث نقص في الرقائق الإلكترونية فيما عرف وقتها بأزمة نقص الشرائح الإلكترونية وهو ما أثر وقتها على صناعة الإلكترونيات وأشباه الموصلات وكذلك السيارات حيث تدخل هذه الصناعة في مجالات عديدة منها وسائل النقل، وكروت الدفع الإلكتروني وغيرها من الكروت الذكية.
وأوضح عبد التواب، وهو أيضا عضو المجلس الاستشاريّ لـ مبادرة مصر الرقميّة، أن هذه الصناعة تسيطر عليها تايوان بنسبة 60% من الإنتاج العالمي وهذا يفسر الصراع الصيني الأمريكي على تايوان، والأزمة التي تثار بينهما بين الحين والآخر خاصة مع احتكار تايوان لهذه الصناعة الهامة.
وأكد عبد التواب، على أهمية توطين صناعة الرقائق الإلكترونية، خاصة مع امتلاك مصر لأنقى أنواع الرمال البيضاء والسوداء حول العالم، وهى المادة الخام الأولية التي تصنع منها الرقائق الإلكترونية لافتًا إلى الجهود الحكومية التي بذلت في هذا المجال منها إنشاء المجلس الوطني لصناعة الرقائق الإلكترونية واستهداف الحكومة لاختيار مكتب استشاري عالمي لوضع خطة واستراتيجية لتوطين هذه الصناعة في مصر.
تأهيل الكوادر الفنية والحفاظ عليها
وأضاف عبد التواب أن مصر تمتلك عدد من الكوادر المؤهلة لهذه الصناعة داخل مصر وخارجها يمكنهم التعامل مع هذه التكنولوجيا لكنه شدد على أن توطين هذه الصناعة في مصر يتطلب وضع حوافز جادة للمستثمرين ورجال الأعمال لضخ مزيد من الاستثمارات المباشرة في هذه الصناعة مع إطار تشريعي ملائم ورؤية لكيفية هذا التوطين وإعداد الكوادر الفنية مع الحفاظ على تواجدها داخل مصر للاستفادة منها في هذه الصناعة.
وأوضح عبد التواب، أن توطين هذه الصناعة في مصر له فوائد كثيرة منها تقليل فاتورة الاستيراد، وفتح أسواق داخلية وخارجية في هذه الصناعة مما يوفر النقد الأجنبي لللبلاد ويساهم في أي نقص محتمل في العملة الصعبة.
بيت خبرة عالمي
من جانبه قال المهندس عمرو محفوظ، الرئيس التنفيذى لشركة الدلتا للأنظمة الالكترونية والرئيس السابق لـ هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات (إيتيدا)، إن خطوة الاستعانة ببيت خبرة عالمى لدراسة تصنيع وتوطين الرقائق الإلكترونية في مصر تأخرت نحو 3 أعوام لافتا إلى أن مصر منذ عامين تقريبا تركز على تصميم الدوائر الإلكترونية وليس التصنيع.
وأضاف محفوظ في تصريحات حصرية لـ آراب فاينانس أن صناعة الرقائق الإلكترونية، تعد من الصناعات عالية القيمة وذات تكنولوجيا معقدة، وحاليا البلاد التى من تقود هذه الصناعة عددهم قليل جدا وأبرزهم تايوان التي تسيطر على نحو ثلثي هذه الصناعة عالميا يليها كوريا الجنوبية و الصين وأمريكا كما أن ماليزيا تعد أحد اللاعبين المهمين، وأنه على مصر أن تنتهز الفرصة في ضوء هذه المتغيرات للحاق بهذه الصناعة، وأنه لابد من بيت خبرة عالمي يضع دراسة مفصلة وعميقة لكيفية نقل هذه التكنولوجيا إلى مصر وإيضاح الفرص والتحديات، ويمكن الاستعانة بماليزيا على سبيل المثال في ذلك المجال متوقعًا أن تقوم بعض الدول المالكة لهذه الصناعة بحجب التكنولوجيا حتى لا تتأثر مصالحها مع دخول منافسين جدد لها.
التحديات وسبل مواجهتها
وأوضح محفوظ، أن أبرز التحديات التي تواجه هذه الصناعة هى نقص الكوادر الفنية من خريجي هندسة الإلكترونيات وإن كانت وزارة الاتصالات تقوم بإعداد برامج تدريبية في هذا المجال مشيرا إلى ضرورة توجيه المناهج الدراسية كي تتوافق مع هدف توطين هذه الصناعة بحيث يكون هناك خريجين مؤهلين بالفعل بعد التخرج للعمل بهذه الصناعة.
وألمح رئيس الدلتا ، أنه لا يكفي فقط وجود المواد الخام لتصنيع الرقائق الإلكترونية بل لابد من نقل المعرفة والتكنولوجيا لتحقيق هذا الغرض لافتا إلى أن مصر بها بعض المعامل التجريبية في مدينة المعرفة، ومعهد الإلكترونيات لتصنيع الشرائح الإلكترونية تجريبية لكننا لم نصل بعد لمرحلة التصنيع خاصة أن هذه المرحلة تحتاج لشريك ينقل هذه التكنولوجيا مشيرا إلى أن ما يؤكد على أهمية هذه الصناعة أن أمريكا خصصت مؤخرا 50 مليار دولار لعودة صناعة الرقائق الإلكترونية لها مرة أخرى بدلا من الاعتماد على الخارج نتيجة الأهمية الاستراتيجية لهذه الصناعة.
تأهيل العنصر البشري
وقال طلعت عمر، رئيس الجمعية العلمية لمهندسي الاتصالات، إن مصر تميزت مؤخرا في مجال تصميم الإلكترونيات لكن لايزال لدينا فجوة في العنصر البشري المؤهل لتكنولوجيا صناعة الرقائق الإلكترونية كما أن التعليم الفني لم يواكب التطور التكنولوجي بالقدر المطلوب مقارنة بالطفرة الحاصلة بالخارج.
وأشار عمر إلى أن مصر بها شركة بنها للصناعات الإلكترونية والتي أسست في الستينيات لكنها للأسف لم تواكب التطور التكنولوجي، ولو حدث ذلك منذ هذا التاريخ لأصبحت شركة بنها للصناعات الإلكترونية من الشركات الرائدة التي تنافس عالميا في هذا المجال حيث كانت تصنع في هذا التوقيت الترانزستور.
جذب الشركات العالمية
من جانبها قالت الدكتورة عالية المهدي عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية السابقة بجامعة القاهرة إنه لابد من توفير الشروط اللازمة لجذب الشركات العالمية العاملة في مجال صناعة الرقائق الإلكترونية حيث تتسم البيئة التي تستقبل هذه الصناعة بنقاء الجو وعدم وجود أتربة عالقة في محيط هذه النوعية من المصانع.
وأكدت المهدي على أهمية هذه الصناعة للاقتصاد المصري من خلال خفض الاستيراد حيث نستورد حاليا هذه الشرائح والرقائق الإلكترونية التي تدخل في صناعات عديدة وهو ما يؤدي في النهاية إلى توفير النقد الأجنبي للبلاد.
وكانت مصر قد أطلقت مبادرة "مصر تصنع الإلكترونيات"، والمعروفة اختصارًا باسم (EME) وهي مبادرة رئاسية، تم إطلاقها عام 2015، بهدف جعل صناعة الإلكترونيات إحدى الدعائم الرئيسية للنمو الاقتصادي في مصر. وتركز المبادرة على مجالين رئيسيين، أولًا: تصميم وتصنيع الدوائر والأنظمة الإلكترونية ذات القيمة المضافة العالية مع تقديم خدمات الدعم الفني عالي الجودة. ثانيًا: تصنيع الإلكترونيات ذات العمالة الكثيفة وذلك وفقًا للموقع الرسمي لـ إيتيدا.
واقترحت دراسة حديثة صادرة عن كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية بجامعة الإسكندرية بعنوان: عناقيد الرقائق الإلكترونية في مصر (توطين تشجيع – تشريع) ضرورة صياغة برنامج وطني لتصنيع الرقائق الإلكترونية في مصر مبني على نقل وتوطين التكنولوجيا من خلال العناقيد الصناعية كما يشجع البرنامج عمليتي البحث والتطوير ويعمل على توفير إطار مؤسسي داعم للشركات العاملة في مجال صناعة التكنولوجيا وذلك تحت مظلة إطار تشريعي ملائم للنهوض بالصناعات التكنولوجية عموما والعناقيد عالية التكنولوجيا خصوصا.
وشددت الدراسة التي حصل آراب فاينانس على نسخة منها على ضرورة توفير البنية التحتية الصناعية لتوطين الصناعات عالية التكنولوجيا في مصر مشيرة إلى انخفاض عناصر البنية التحتية للجاهزية التكنولوجية في مصر مقارنة بنظرائها من الدول الأخرى لافتة إلى ضرورة إنشاء مركز تخطيط صناعي (think tank).
وطالبت الدراسة بإطلاق العمل بمشروع المناطق الصناعية النموذجية وتوفير الأراضي الصناعية والعمل على إعداد الدراسات لإنشاء عناقيد صناعية متخصصة في الصناعات عالية التكنولوجيا.
مدن مؤهلة لاستقبال صناعة الرقائق الإلكترونية
واقترحت الدراسة أن يكون موقع إقامة صناعة الرقائق الإلكترونية في مدن مثل مرسى علم ونويبع مع ضرورة استكمال العمل بوادي التكنولوجيا بالإسماعيلية.
وأضافت الدراسة أن مصر تمتلك إمكانات يمكن تعزيزها داخل القارة الإفريقية حيث تم تصنيف مصر وفقا لمنظمة الأمم المتحدة كثالث أكبر مركز للصناعات الإلكترونية بالقارة الإفريقية كما تعد مصر رابع أكبر دولة مصدرة عقب المغرب وتونس وجنوب إفريقيا حيث تنتج نحو 13% من إجمالي القارة.