آراب فاينانس: طالب خبراء اقتصاديون، بضرورة إحياء الدور الذي تلعبه التعاونيات الزراعية في مصر، ودعم هذا القطاع، ومساندته عبر تقديم المزيد من المزايا، والتيسيرات والإعفاءات، مثلما يحدث مع القطاع الخاص حيث تمثل التعاونيات الزراعية حجر الزاوية فى تحقيق التنمية الزراعية المستدامة.
تقليص دور التعاونيات
وتقول الدكتورة دوعاء ممدوح سليمان، رئيس قسم بحوث التمويل والتعاون الزراعى بمعهد بحوث الاقتصاد الزراعي التابع لوزارة الزراعة، إن الدولة اعتمدت على التعاونيات لفترات طويلة فى تنفيذ خطط التنمية الزراعية المتتالية، إلا ان برامج الخصخصة، وتطبيق سياسات التحرر الاقتصادى خصوصاً فيما يتعلق بحرية المزارع في اختيار محاصيله دون تخطيط أو توجيه أو إرشاد من قبل التعاونيات، علاوة على عدم قدرة التعاونيات الزراعية الحالية على تأدية دورها بكفاءة فى ظل تطبيق تلك البرامج أسفر عن تقليص دورها ومساهمتها في تحقيق التنمية الزراعية في مصر.
وأضافت سليمان، في تصريحات حصرية لـ آراب فاينانس أن أبرز التحديات التي تواجه قطاع التعاونيات في مصر أيضا هو أن التعاونيات الزراعية ببنيانها القائم لم تستطع أن تتفاعل مع المتغيرات الدولية، والمحلية ولم تحقق أهدافها، وأهداف أعضائها، وذلك فى ظل التضارب، والتداخل فى الإختصاصات فيما بين وحدات البنيان التعاونى بالإضافة الى قصور التشريعات التى تنظم، وتحكم أعماله فضلا عن التدخل الحكومى وأثره على آداء التعاونيات.
قصور التشريعات
كما تعاني التعاونيات في مصر حسب سليمان من تراجع دور الدولة، وانسحابها من دعم المنتجين في الأنشطة المختلفة مما أدى إلى تراجع دور التعاونيات الزراعية فى الريف المصرى، فضلا عن قصور التشريعات التعاونية، وتعقيد البنية التشريعية لهذه المنظمات، وخلق التناقضات والصعوبات التي تعوق تقدم الحركة التعاونية في مصر حيث أصبحت التعاونيات مجرد كيانات حكومية غير قادرة على أداء دورها المنوط بها فى خدمة القطاع الزراعي.
وألمحت سليمان إلى أن القطاع يعاني كذلك من تهميش دور التعاونيات، وعدم تحديد دور واضح للتعاونيات الزراعية من قبل الدولة فى خطط التنمية، بالإضافة إلى تواضع دور الدولة فى مساندة التعاونيات من حيث تقديم المزايا والتيسيرات والإعفاءات مثلما حدث مع القطاع الخاص رغم أن القطاع التعاونى الزراعى أولى بالرعاية حيث يخدم قطاع عريض من أفراد المجتمع، وهم فى حاجة إلى الدعم والمساعدة لزيادة دخولهم ومحاربة الفقر، وتحسين مستوى معيشتهم كما تفتقر التشريعات الحالية إلى أحكام تلزم الدولة بدعم ومساندة التعاونيات خصوصا الإعفاءات والمزايا بوجه خاص الرسوم الجمركية.
وأوضحت خبيرة الاقتصاد الزراعي، أن التعاونيات في مصر تمارس أنشطتها من خلال 4171 مقرًا كما يقدر عدد الجمعيات التعاونية الزراعية بنحو 6049 جمعية حتى 2021 ويقدر عدد جمعيات الإئتمان بنحو 4500 جمعية حتى ذات التاريخ 2021.
وأشارت سليمان إلى أن حجم الجهاز الوظيفي في التعاونيات يبلغ 32500 عامل بحجم استثمارات يصل إلى 2.3 مليار جنيه في عام 2021 بالنسبة للتعاونيات متعددة الأغراض.
وشددت على أن نزع اختصاصات الجمعيات التعاونية الزراعية، وإسنادها لبنوك القرى كان له آثارا سلبية عديدة على التعاونيات حيث أدى إلى تقليص دور التعاونيات، وتدهور أحوالها، وتحول الأعضاء عن المشاركة في عضويتها والتعامل معها.
إحياء دور التعاونيات
ومن جانبه قال الدكتور يحيى متولي خليل أستاذ الاقتصاد الزراعي بالمركز القومي للبحوث إن هناك ضرورة لإحياء دور التعاونيات والعودة مرة أخرى كي تلعب دورها في التنمية الاقتصادية خاصة بعد أن ابتعدت عن دورها الحقيقي حيث هناك على سبيل المثال بعض التعاونيات التي تتاجر في بيع التروسيكلات للمزارعين وهو نشاط بعيد تماما عن دورها في التنمية الزراعية كما أن البنك الزراعي المصري لم يعد يقوم بذات الدور الذي كان يقوم به في دعم المزارعين وتنمية النشاط الزراعي.
وأضاف خليل أن تشكيل مجالس إدارات التعاونيات يحكمه الشللية والقبلية كما أن معظم القائمين على التعاونيات لا يؤمنون بفكرة التعاونيات مطالبا بضرورة تقديم حوافز لدعم الحركة التعاونية في مصر.
نجاح التجربة الهولندية في مجال التعاونيات الزراعية
من ناحيته أشار الدكتور يحيى عبد الرحمن يحيى، أستاذ التمويل والتعاون الزراعي بمركز البحوث الزراعية، إلى نجاح التجارب التعاونية الدولية حيث تظهر نجاحات كبيرة فى كثير من دول العالم إذ نجحت تلك التعاونيات الزراعية فى تحقيق النهضة الزراعية، ومن أشهر التجارب التعاونية الزراعية الناجحة التجربة الهولندية حيث قامت التجربة الهولندية على عدة أسس من أهمها التأكيد على أهمية تنمية الموارد البشرية بالتعاونيات من خلال التدريب فضلا عن التأكيد على مبدأ الإدارة الذاتية للتعاونيات، ورفع الوصاية الحكومية وتقديم الدعم الحكومي الفعال للتعاونيات مع وضع تعريف واضح، ومحدد للمنظمة التعاونية في إطار المبادئ التعاونية، وبيان الهوية التعاونية.
وشدد يحيى، على أن التجربة الهولندية أيضا تقوم على المساواة فيما بين الأعضاء، ومشاركتهم في اتخاذ القرارات كما سمحت تلك التجربة بـ إنشاء بنك تعاوني متخصص لتمويل التعاونيات، والمزارعين وتقديم الخدمات المصرفية بما في ذلك تمويل المشروعات، والاستثمارات الزراعية حيث أسست بنك رابو Rabbo Bank وهو من أكبر البنوك العاملة في أوروبا.
حلول لرفع كفاءة التعاونيات في مصر
وطالب الخبير الاقتصادي بعدد من الحلول التي ستساهم في رفع كفاءة التعاونيات في مصر منها منح التعاونيات المزايا والإعفاءات التي كانت مقررة في القانون 122 لسنة 1980 والتي تم إلغائها بالقانون 186 لسنة 1986.
كما طالب يحيى بتمكين التعاونيات من التوسع، والتطور من خلال تعديل التشريعات الحالية لتصبح مؤسسات تدخل تحالفات استراتيجية مع شركات إنتاج وتسويق ناجحة مع السماح للمزارعين أن يعملوا سويًا في التسويق، ويحافظوا على استقلالية مزارعهم في الوقت ذاته مع دخول الجمعيات في شراكة مع التعاونيات الأخرى، والسماح أيضا للتعاونيات بإنشاء المصانع والتصدير وتملك المحالج والمضارب.
كما شدد يحيى على أنه ينبغي أيضا أن يمتد نشاط التعاونيات الزراعية في مجال التأمين على المزارعين وممتلكاتهم وإنتاجهم.
وأضاف أن هناك حاليا حاجة إلى وجود اتحاد إقليمي للتعاونيات الزراعية على مستوى كل محافظة ليكون حلقة وصل ما بين الاتحاد المركزي والجمعيات الزراعية الواقعة في نطاق المحافظة لافتا إلى أن الاتحاد المركزي يشرف الآن على أكثر من 5671 جمعية منتشرة في مختلف محافظات الجمهورية.
إنشاء بنك زراعي تعاوني في مصر
في ختام حديثه لـ آراب فاينانس طالب يحيى، بضرورة تعديل قانون التعاون الزراعي 122 لسنة 1980، وقانون 204 لسنة 2014 مع إعادة النظر فى الادارات الحكومية المشرفة على التعاونيات، وكذلك منع الوصاية الحكومية على أعمال التعاونيات مع التأكيد على مبدأ الإدارة الذاتية المستقلة للتعاونيات، وتفعيل دور الجمعيات العمومية، ومجالس الإدارات، والاتحادات التعاونية فى الإشراف والتوجيه والرقابة بحيث تصبح مؤسسات ذاتية يتم إدارتها من قبل أعضائها، وكذلك ضرورة وجود بنك زراعى تعاونى في مصر، وتطوير القدرات المالية للتعاونيات من خلال مساهمات الأعضاء والإدارة الاقتصادية لتلك المساهمات والربط بين احتياجات المزارع والخدمات التي يحصل عليها من الجمعيات التعاونية.
نقص تفاعل الأعضاء مع أنشطة التعاونيات
بينما يقول أحد قيادات العمل التعاوني في مصر وهو زهير ساري، رئيس الجمعية العامة للإصلاح الزراعي، والتي تضم نحو 6 آلاف جمعية تعاونية زراعية إن التعاونيات أنشأت شركة تعاونية في عام 2020 اسمها "ريفورم" وبدأت تمارس نشاطها وينقصها تفاعل الأعضاء معها كما نستهدف خلال الفترة المقبلة العمل في تصنيع أعلاف الماشية والمخصبات الزراعية بما يخدم المزارعين حيث بدأنا بمشاريع تنموية صغيرة أملا في التوسع مستقبلًا.
وأوضح ساري أن سكان الريف في مصر يمثلوا أكثر من 55% من السكان وهو ما يشير إلى أهمية التعاونيات في خدمة هذا القطاع الحيوي من السكان في مصر للمساهمة في التنمية الاقتصادية.
وأضاف أن هناك تحديات تواجه النشاط التجاري للتعاونيات منها منافسة القطاع الخاص حيث نسعى لتوفير منتج بجودة عالية وسعر مناسب للمزارعين بينما نواجه بعض التجار الجشعين الذي يحاولوا استغلال الفلاحين ببيع المنتجات الزراعية لهم بأسعار مبالغ فيها بينما نوفر نحن مستلزمات الإنتاج للمزارعين عبر إشراف من الجهات الرقابية بهامش ربح بسيط يساعدنا على الاستمرارية.
وانتقد رئيس الجمعية العامة للإصلاح الزراعي تدخل وزارة قطاع الأعمال العام في تسويق القطن للمزارعين بينما يعد هذا الدور هو أحد أدوار التعاونيات حيث أن هناك تعارض مصالح، متسائلا؟ كيف تقوم وزارة قطاع الأعمال بتسويق القطن وبيعه في مزادات بينما هى من تشتري هذه الأقطان لمصانعها وبالتالي فهو ستحاول تخفيض السعر بما يتوافق مع مصالحها لافتا إلى أن هناك تهميش واضح لدور التعاونيات في مصر.
وألمح ساري إلى ان إدارة التعاونيات تعمل على تطهير نفسها من بعض القيادات المتورطة في فساد حتى تتطهر الحركة التعاونية تماما من بعض الفاسدين.
تعديل كامل للقانون الحالي للتعاونيات
أما الدكتور عباس الشناوي، رئيس قطاع الخدمات والمتابعة بوزارة الزراعة وهو القطاع المسئول عن إدارة التعاونيات في الوزارة فكشف عن أن قطاع التعاونيات حاليا الذي تم إقراره عام 2014 يحتاج إلى تغيير جذري وكامل للكافة المواد، وهو ما قامت به وزارة الزراعة بالفعل إذ أعدت مشروع قانون يتواكب مع احتياجات السوق الحرة، وبما يسمح برفع الوصاية الحكومية عن قطاع التعاونيات كما يسمح أيضا بإحياء العمل التعاوني وتطويره.
وأوضح الشناوي أن مشروع القانون الجديد سيعرض قريبا بعد أن تم الانتهاء من تعديل كافة المواد به على مجلسي النواب والشيوخ لإقراره لافتا إلى أن التعديلات الجديدة في القانون تسمح بتحرير كامل لقطاع التعاونيات في مصر من القيود الحكومية التي فرضت على التعاونيات في القانون الحالي كما يسمح مشروع القانون الجديد بتجديد دماء التعاونيات حيث تمثل التعاونيات قاطرة الإنتاج الزراعي في معظم دول العالم.
وأشار وكيل وزارة الزراعة إلى أنه رغم أن القانون الحالي للتعاونيات يسمح لها بإنشاء الشركات إلا أنه لم يتم الاستفادة بهذا البند في القانون الاستفادة المثلي، وهو ما يحتاج إلى تفعيل هذا البند في القانون بما يسمح أيضا للتعاونيات بإنشاء بنوك تعاونية مثل الكثير من التجارب العالمية في هذا المجال.
وتابع: لدينا أمل كبير في تطوير التعاونيات في مصر كي تتمكن من لعب دور كبير في التنمية الزراعية والاقتصادية للبلاد فضلا عن المشاركة في اتخاذ القرار.
التهديدات الرئيسية التي تعوق تنمية التعاونيات
وذكرت دراسة حديثة صادرة عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء بعنوان "التعاونيات الزراعية.. ممارسات دولية رائدة" أن تعاونيات الإئتمان الزراعي تعاني من تضاؤل دورها بدرجة كبيرة حيث أصبح دورها في تسويق القطن والقمح هامشيًا ومتقلبا استنادًا إلى القرارات الحكومية.
وأضافت الدراسة التي حصل آراب فاينانس على نسخة منها أن التهديدات الرئيسية التي يمكن أن تعوق تنمية قطاع التعاونيات تتمثل في عدم اتساق اللوائح التعاونية الحالية مع اقتصاد السوق الحرة والتغييرات المتكررة في قيادات المؤسسات الحكومية المسئولة عن التعاونيات الزراعية بالإضافة إلى عدم وجود رؤية شاملة لتطوير ذلك القطاع، وعدم وضوح واستقرار السياسات الزراعية، والمنافسة الشديدة التي يتعين على تلك التعاونيات التعامل معها بينها وبين القطاع الخاص.
تراجع الوعي بالتعاونيات
وأشارت الدراسة إلى وجود ثمة تراجع في الوعي بشكل كبير فيما يتعلق بالتعاونيات الزراعية في جميع الجوانب، والقضايا المتعلقة بالقطاع بما في ذلك فهم دور التعاونيات وفق ما هو محدد في الإطار التشريعي وعلاقتها بالهيئات الحكومية الإشرافية وحقوق وواجبات أعضائها فضلا عن القدرة المالية المحدودة، والافتقار إلى مصادر ائتمانية كافية حيث لا تمتلك التعاونيات الزراعية الأموال الكافية التي تمكنها من تقديم الدعم الفعال لأنشطة أعضائها أو التنافس مع القطاع الخاص في ضوء ظروف السوق الحالية كما لا يوجد أي اتجاه نحو تراكم رأس المال، وكنتيجة لهذه المشكلات تعاني التعاونيات من ضعف القدرات المؤسسية حيث لا تملك القدرة على تعيين مديرين وموظفين ذوي مهارات كافية.
وشددت الدراسة في الختام على أن تدخل السلطات الإدارية في عمل التعاونيات يشكل عائقا أمام تطورها لأنه يحد من مرونتها وكفائتها.