توطين صناعة القطارات والسكك الحديدية.. كيف تدخل مصر سباق الكبار؟

أخر تحديث 2024/07/14 03:58:00 ص

آراب فاينانس: تعد فكرة توطين صناعة القطارات والسكك الحديدية في مصر فكرة وليدة بدأ التفكير فيها في نهاية عام 2020 من خلال تدشين أول مصنع عملاق يستهدف المساهمة في تطوير مرفق السكك الحديدية المصرية، والذي يعد ثاني أقدم مرفق في العالم، بعد سكك حديد إنجلترا، فضلا عن استهداف أسواق المنطقة العربية وأفريقيا.

تحالف بين الحكومة والقطاع الخاص

وأعلنت الحكومة، وقتها عن تدشين تحالف يضم الحكومة، والقطاع الخاص، لتأسيس الشركة الوطنية المصرية لصناعات السكك الحديدية “نيرك” لتصنيع القطارات بجميع أنواعها محليا مع مطلع عام 2021.

ويضم التحالف وزارتي النقل، والتخطيط، والهيئة الاقتصادية لقناة السويس، وصندوق مصر السيادي، ومن القطاع الخاص شركات بورسعيد للتنمية وسامكريت للاستثمار، وحسن علام القابضة، وأوراسكوم للإنشاءات، وكونيكت للتكنولوجيا والمعلومات وذلك وفق بيان رسمي صادر عن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية.

وتصل التكلفة الاستثمارية للمشروع الجديد وفق ذات البيان بنحو 10 مليارات دولار يتم ضخها تباعا خلال السنوات المقبلة لتوطين هذه الصناعة بطاقة إنتاجية تصل إلى نحو 300 عربة سكة حديد سنويا.

ودُشنت السكك الحديدية في مصر عام 1834، ثاني أقدم خطوط السكك الحديدية في العالم، ويصل إجمالي شبكاتها 9570 كيلومترا، تنقل سنويا نحو 500 مليون راكب، وتخدم عدد 23 محافظة وتنقل ما يقرب من 420 مليون راكب سنويا ، عدد المحطات بها 705 محطة ويوجد عدد 1221مزلقانا و3040 عربة ركاب منها 850 عربة مكيفة و8553 عربة بضائع و793 جرار وفق الموقع الرسمي لـ الهيئة القومية لسكك حديد مصر.

وعادت فكرة توطين صناعة القطارات في مصر من جديد لتطرح مؤخرا بجدية، والسؤال هنا هل الأسواق الخارجية تحتاج فعلا إنشاء مصانع جديدة في هذا المجال خاصة أنه استثمار ضخم، ويحتاج جلب تكنوجيا متقدمة جدا، وهل ستساهم البنية التحتية والتطوير الحاصل في مجال النقبل في توطين هذه الصناعة في مصر.. فماذا قال الخبراء؟

تطوير كبير في البنية التحتية لقطاع النقل

يقول الدكتور عبد الله أبو خضرة، أستاذ الطرق والنقل والمرور بكلية الهندسة بجامعة بني سويف، إنه منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي القيادة وحدث تطوير كبير للبنية التحتية والتشريعية في مجال النقل أحدث طفرة في هذا القطاع الحيوي، وساهم في تطوير شبكة الطرق، وتقدمت مصر تقدم ملحوظ في تصنيف جودة الطرق بـ 100 مركز.

وأعلنت وزارة النقل تقدم مصر في الترتيب العالمي 100 مركز لمؤشر جودة الطرق من المركز 118 عام 2014 إلى المركز 18 عام 2023.

وأضاف خبير النقل والطرق، في تصريحات حصرية لـ آراب فاينانس، أن توطين هذه الصناعة بالتعاون مع شركات عالمية سيقلل من استنزاف العملة الصعبة لافتا إلى أن الدولة تمتلك عدة مقومات لتوطين صناعة النقل في مصر منها مصنع سيماف التابع للهيئة العربية للتصنيع، فضلا عن أن التعاون مع شركات عالمية ذات خبرة في هذا المجال مثل شركة هيونداى روتم الكورية، وكذلك شركات إسبانية وألمانية وسويسرية وإيطالية، سيساهم في تسويق هذه المنتجات عالميا خاصة مع موقع مصر المتميز والاستراتيجي كمركز للتجارة العالمية.

وأوضح أبو خضرة، أن مصر ستكون بنهاية العام الجاري لديها اكتفاء ذاتي من كافة الاحتياجات الخاصة بالنقل سواء القطارات أو الأتوبيسات، وهو ما يضعها على خريطة الصناعة العالمية في مجال النقل بما يحقق فائض في العملة الصعبة، ويحد من الاستيراد حيث أصبح لدى مصر حاليا 8 مصانع لفلنكات السكك الحديدية، ومصنع لقضبان السكك الحديدية فضلا عن تحويل العديد من الورش إلى مصانع تقوم بالتصدير عبر التعاون مع شركات عالمية مشيرا إلى أن توفر الإرادة ودعم القيادة السياسية، ساهم في توقيع العديد من الاتفاقيات الدولية في مجال الاستثمار والتشغيل والصيانة والادارة، حيث يعد هذا القطاع من القطاعات الاستثمارية الاستراتيجية التي تتعلق بالأمن القومي.

تحقيق الاكتفاء الذاتي في منظومة النقل

وأكد أبو خضرة، على أن تحقيق الاكتفاء الذاتي في منظومة النقل والسكك الحديدية جعل مصر لاعب رئيسي في حركة التجارة العالمية، مما سيكون له أثر كبير في زيادة معدلات التعاون الإقليمي، وكذلك تحسين الميزان التجاري على المستوى المحلي من خلال خفض الواردات، وزيادة الصادرات.

متطلبات لتوطين صناعة القطارات في مصر

في المقابل قال الدكتور أسامة عقيل، أستاذ هندسة النقل والطرق بجامعة عين شمس والخبير الدولي في مجال النقل والمرور في تصريحات حصرية لـ آراب فاينانس، إن توطين صناعة القطارات في مصر يحتاج إلى متطلبات أساسية أبرزها أن يكون هناك سوق محلية لديها متطلبات لهذه المنتجات (القطارات) فضلا عن سوق خارجية يحتاج لذلك أيضا فضلا عن العائد من هذا المشروع.

وأضاف عقيل، أن هناك شئ آخر لا يقل أهمية عن هذه المتطلبات، وهو أن توطين هذه الصناعة في مصر يتطلب أن تكون هذه الصناعة دائمة، وفي حالة وجود فائض عن الإنتاج المحلي يكون هناك قدرة على تسويق المنتج وتصديره خارجيا.

وحول وجود متطلبات محلية لصناعة السكك الحديدية في مصر قال عقيل، إنه لا توجد مثل هذه المتطلبات في مصر حيث يوجد في مصر شبكة سكك حديدية متكاملة تغطي كافة مصر وبالتالي فتوطين مثل هذه الصناعة في مصر يجب أن يكون بهدف التصدير نظرا لعدم حاجة السوق المحلية لهذه الصناعة، والسؤال هنا هل السوق العالمي يحتاج حاليا هذه الصناعة؟ وهل نحن قادرين على منافسة الشركات العالمية التي سبقتنا بكثير في هذا المجال؟ الإجابة أننا لسنا لدينا خبرة كافية تجعلنا ننافس في هذه الصناعة الشركات العالمية الموجودة على الساحة حاليا.

وأوضح خبير النقل الدولي، أنه في حالة رغبة الشركة المصرية المصنعة للقطارات بيع قطارات لدول أوروبية فمن المستبعد أن تقوم هذه الدول بالشراء من شركة جديدة في هذا المجال، وفي حالة التوجه نحو التصدير لأفريقيا فهنا يوجد بعض العقبات حيث تشترط الدول الأفريقية في مثل هذه المشروعات الضخمة أن تقوم الشركة المصنعة بجلب التمويل اللازم للمشروع عبر أحد مصادر التمويل الدولية وهو أيضا من الأمور الصعب تحقيقها.

تسويق القطارات

وتابع عقيل: أنه في حالة توطين صناعة القطارات، والسكك الحديدية في مصر فلن نستطيع تسويق المنتج عالميا، كما أن هناك صناعات مرتبطة بهذه الصناعة يجب أن نتفوق فيها أيضا مثل نظم الإشارات المتقدمة لأنه ليس من المنطقي أن تبيع لدولة قطارات، وأن تطلب منها بعد ذلك شراء نظم الإشارة من دولة أخرى لأنها منظومة وحزمة متكاملة من المتطلبات.

واختتم عقيل، حديثه مع آراب فاينانس قائلا: ليس لدينا الخبرة التكنولوجية في مجال صناعة القطارات، وفرص المنافسة تكاد تكون معدومة مقترحا أن تتخصص مصر في جزء معين من هذه الصناعة مثل فلنكات القطارات مثلا، لكن التوطين الكامل لهذه الصناعة صعب تحقيقه وأنه في حالة القيام بتوطين الصناعة في مصر، والوصول للإنتاج الفعلي سننفق المزيد من العملة الصعبة والمحلية، ولن نتمكن من بيع هذه القطارات للأسواق العالمية.

نقطة تحول في الاقتصاد المصري

ويرى خالد الفقي، عضو مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات المعدنية التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام إن مبادرة توطين صناعة القطارات في مصر ستكون مهمة جدا للاقتصاد المصري من ناحية توفير العملة الصعبة للبلاد وتقليل الاستيراد، وأن مصر لديها شركة رائدة في هذا المجال وهى الشركة المصرية العامة لمهمات السكك الحديدية سيماف والتي أنشئت في عام 1959 لصناعة السكك الحديدية وتم ضمه للهيئة العربية للتصنيع في نوفمبر 2004 ويقع المصنع بمنطقة عين حلوان بمحافظة القاهرة، لافتا إلى أن توطين هذه الصناعة في مصر يعد نقطة تحول كبيرة للصناعة المصرية حيث سيحد من الاستيراد وسيوفر المزيد من فرص العمل أيضا ويدعم الاقتصاد.

ووفق الموقع الرسمي لـ الشركة الوطنية المصرية لصناعات السكك الحديدية  (NERIC)من المتوقع زيادة عدد الوحدات المتحركة على خطوط المترو بأكثر من ألف وحدة تقريباً في العشر سنوات القادمة وإعادة تأهيل ما يقرب من ألف وحدة أخرى. ذلك بالإضافة إلى مشروعات السكك الحديدية من قطارات المسافات الطويلة والقطار السريع الذي يتوقع أن تصل الى ألف وحدة أخرى.

هدف مشروع نيرك

ويهدف مشروع نيرك إلى تعميق وتوطين صناعة السكك الحديدية في مصر، وخاصة الوحدات المتحركة بالجر الكهربائي بما يؤمَّن متطلبات الدولة المصرية في هذا الشأن، وزيادة القدرة على التصدير إقليمياً ودولياً حيث تستهدف الدولة إنشاء قاعدة صناعية مجهزة تكنولوجياً ولوچيستياً في هذا القطاع لاستقبال الشركات العالمية من أصحاب التكنولوجيا في مجال صناعة مركبات السكك الحديدية ومستلزماتها وإنتاجها محلياً.

ويشير الموقع الرسمي للشركة أنه بالقرب من مجمع المصانع الخاص بشركة نيريك سوف يتواجد هناك منطقة صناعية متكاملة بمنطقة شرق بورسعيد، مما يتيح المزيد من الدعم في مجالات اللوجستيات والتدريب والعديد من التخصصات الأخرى كما سوف يتم عمل برنامج تدريب لتطوير وتنمية الموردين المحليين على أساس تلبية الاحتياجات الخاصة بهم وببناء قاعدة التوريدات.  

و يشمل أيضا الموقع إلى تطوير المصنعين المحليين في مجال صناعات السكك الحديدية طبقا لأحدث المعاير الدولية.

ويتبع برنامج نيرك لتوطين صناعات السكك الحديدية نهجاً مرحلياً نحو تحقيق هدف طموح طويل الأجل يتمثل في الوصول الى تصنيع منتج محلى بنسبة 50% خلال السنوات العشر القادمة وفق ذات الموقع.

 

أخبار متعلقة