آراب فاينانس: رغم التراجع النسبي الذي حدث في معدلات التضخم في مصر خلال الأشهر الماضية إلا أن خبراء اقتصاديون أكدوا أن المعدلات الحالية لاتزال مرتفعة مقارنة بمستهدفات للبنك المركزي المصري، عند مستوي لا يزيد عن 9% خلال الربع الرابع من عام 2024. كما أن المستويات العالمية للسيطرة على التضخم هى أقل من 2% حيث يسعى على سبيل المثال الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الوصول إلى معدل تضخم أقل من 2% بينما لدينا في مصر أظهرت بيانات من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء خلال منتصف الشهر الجاري، أن معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن وصل إلى 27.5% في يونيو 2024.
وشدد الخبراء على ضرورة اتباع الحكومة عدد من الإجراءات سواء على مستوى السياسات النقدية من قبل البنك المركزي أو الاقتصادية عبر الحكومة واصفين الوضع الاقتصادي في مصر حاليا بأنه لايزال حرج.
تقليل النفقات الحكومية
ومن جانبه قال الدكتور هاني توفيق، الخبير الاقتصادي، إن هناك عدة إجراءات يجب على الحكومة اتباعها للسيطرة على التضخم زيادة سعر الفائدة، فضلا عن تقليل النفقات الحكومية مما سيساهم في خفض العجز في الموازمة العامة للدولة.
وأضاف توفيق، في تصريحات حصرية لـ آراب فاينانس أنه بالإضافة لتلك السياسات المالية والنقدية ينبغي على الحكومة تشجيع الاستثمار المباشر لجذب العملة الأجنبية، وزيادة معدلات التشغيل، وبالتالي زيادة الإنتاج ومن ثم زيادة التصدير فضلا عن ضرورة تشديد الرقابة على الأسواق للسيطرة على انفلات الأسعار وزيادتها.
ضمان استقرار سعر الصرف
بينما قالت الدكتورة يمن الحماقي، رئيس قسم الاقتصاد الأسبق بجامعة عين شمس، إن معدلات التضخم في مصر لاتزال مرتفعة جدا حيث تجاوز التضخم في مصر 27%، لافتة إلى أنه رغم الجهد الحكومي في تخفيض سعر الفائدة لكن لايزال الوضع الاقصادي في مصر "حرج".
وأضافت الحماقي، أن الإجراء الأول الواجب اتخاذه، هو ضرورة الحفاظ على استقرار سعر الصرف وهو متغير أساسي للأسعار في مصر حيث تعرضت مصر لثلاث تعويمات للجنيه المصري خلال 5 سنوات مما أدى إلى هزة عنيفة بالأسواق سواء للمنتج أو المستهلك في آن واحد ما يشبه زلزال عنيف بالسوق خاصة أن مصر تعتمد بشكل كبير على الاستيراد لتلبية احتياجاتها التي يتم تلبيتها عبر العملة الصعبة.
كما ينبغي أيضا على الحكومة وفق الدكتورة يمن الحماقي، أن تحقق أمن الطاقة ما يعني إتاحة الطاقة للمستهلكين بأسعار معقولة ومناسبة حيث لا تتوافر الطاقة حاليا بأسعار مناسبة في ظل توقعات بارتفاعها خلال الفترة المقبلة.
تشجيع الاستثمار
الإجراء الثالث الذي يجب على الحكومة اتباعه للسيطرة على التضخم هو تشجيع الاستثمار والمستثمرين بجميع فئاتهم سواء كانوا أصحاب مشروعات صغيرة ومتوسطة أو مشروعات ضخمة، مع ضرورة السيطرة على الأسواق ومنع الاحتكار حيث لوحظ خلال الفترة الأخيرة وجود احتكارات كبيرة لعدد من التجار في كثير من السلع في مصر كما تؤكد الحماقي.
تفعيل الأدوات الرقابية
من ناحيته يرى الدكتور وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، أن سعر صرف الدولار هو كلمة السر في التضخم في مصر حيث أن الحفاظ على سعر صرف مستقر سيؤدي إلى السيطرة على التضخم، فضلا عن ضرورة تفعيل الأدوات الرقابية للسيطرة على زيادة الأسعار خاصة مع ضعف الأدوار الرقابية لعدد من الأجهزة مثل جهاز حماية المستهلك.
وأوضح النحاس، أن السوق حاليا تسيطر عليه الإشاعات حيث تتحكم هذه الإشاعات في رفع وزيادة أسعار السلع والخدمات.
وتابع: ينبغي على الحكومة أيضا ألا تتسرع في بيع الأصول بأسعار منخفضة وبأقل من قيمتها الحقيقية خلال الشراكة مع القطاع الخاص ضمن وثيقة سياسة ملكية الدولة وذلك لدعم الاستثمار، وضخ مزيد من العملة الصعبة بسوق النقد الأجنبي مما سيساهم في استقرار سعر الصرف، وبالتالي الحفاظ على مستوى تضخم أقل وانخفاض للأسعار.
موجة تضخمية
ويقول الخبير المصرفي والاقتصادي الدكتور عز الدين حسانين إن هناك 6 أنواع من التضخم في علم الاقتصاد جميعهم موجودين في مصر حاليا أبرزهم تضخم العرض الناتج عن نقص الإنتاج والمعروض من السلع بالأسواق، وتضخم الطلب الناتج عن زيادة الطلب المؤدي إلى ارتفاع الأسعار والتضخم المستورد الناتج عن ارتفاع أسعار تكاليف النقل والمواد الخام عالميا مشيرا إلى أن أحد أهم أسباب التضخم في مصر يتعلق بسعر صرف الدولار.
وأضاف حسانين، أن مصر مقبلة على موجة تضخمية كبيرة ستبدأ في سبتمبر المقبل مع توجه الحكومة نحو رفع أسعار الكهرباء والبنزين.
وتابع: لدينا أيضا تضخم نقدي نتيجة زيادة السيولة النقدية بالأسواق حيث زادت السيولة النقدية خارج القطاع المصرفي خلال الفترة الماضية بنسبة تتجاوز 25% عن المستهدف والذي لا ينبغي أن يزيد عن 10% حيث يوجد نحو 1.2 تريليون جنيه سيولة نقدية زائدة.
وأوضح الخبير الاقتصادي، أنه لمواجهة هذا النوع من التضخم الناتج عن زيادة السيولة النقدية بالأسواق - ويسمى التضخم النقدي - يجب على البنك المركزي أن يسحب هذه السيولة من خلال عدد من الإجراءات هو قام بها بالفعل من خلال سحب السيولة من البنوك عبر العطاءات أو ما يسمى التعقيم النقدي من خلال الـ (open operation market)
وأكد حسانين أن عدم توافر الإنتاج والسلع والخدمات بالشكل الكافي لتلبية الاحتياجات للمستهلكين خاصة مع الضغط على هذا الإنتاج نتيجة تزايد أعداد المهاجرين إلى مصر مما أدى إلى زيادة الطلب على السلع المحدودة نتيجة خفض الاستيراد، وقلة معدلات الإنتاج.
وأشار حسانين إلى أنه ينبغي على الحكومة اتبع عدة خطوات أبرزها زيادة المعروض بالأسواق عبر زيادة الاستثمارات والإنتاج فضلا عن فتح باب الاستيراد لسد العجز في بعض احتياجات السوق مثل نقص الأدوية الحاصل حاليا.
وكان رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي قد قال الأسبوع الماضي خلال إلقاء بين الحكومة أمام البرلمان إن الأزمات الاقتصادية المتلاحقة تسبَّبت في ارتفاع معدلات التضخم على المستوى العالمي، معتبراً أن مصر لم تكن بِمَعزِل عن هذه الأزمات؛ فقد شهدت الأسواق المصرية ارتفاعًا غير مسبوق في أسعار العديد من السلع والمنتجات، ومع انحسار الضغوط التضخمية خلال عام 2024 استهدفت الحكومة تنفيذ مجموعة برامج، على رأسها ضمان توافر جميع السلع في الأسواق المحلية، والتوسُّع في الإنتاج الزراعي والغذائي مع ضمان تحقيق الاستقرار السعري، هذا فضلًا عن تطوير منظومة سلاسل التوريد، ورقمنة أسواق السلع الرئيسية.
وقال إننا لمسنا مؤخرًا تراجع معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية ليسجل 27.4% في مايو 2024 بعد أن وصل إلى 39.7% في أغسطس 2023، مؤكداً استمرار جهود الحكومة لخفض هذا المعدل وتخفيف الأعباء على المواطنين.
ويعمل البنك المركزي المصري على السيطرة على ارتفاع التضخم عبر تشديد السياسة النقدية، ومنذ مارس 2023 رفع المركزي المصري أسعار الفائدة 11 نقطة مئوية.
ويستهدف البنك المركزي المصري أن يبلغ معدل التضخم 7% بزيادة أو نقصان 2% خلال الربع الرابع من العام الحالي.
وتسجل أسعار الفائدة في مصر 27.25 % للإيداع و28.25% للإقراض، وفي آخر اجتماع للبنك المركزي قرر إبقاء أسعار الفائدة دون تغيير.
وتجتمع اليوم الخميس 18 يوليو 2024 لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري لتحديد مصير سعر الفائدة وسط توقع العديد من الخبراء باتخاذ قرار بتثبيت سعر الفائدة.