بعد تصريح رئيس الوزراء حول اقتصاد الحرب.. لماذا تلجأ الدولة لهذا النوع من الاقتصاد؟

أخر تحديث 2024/10/13 03:27:00 م

آراب فاينانس: أثارت تصريحات رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، حول ما سماه "اقتصاد الحرب" تساؤلات كثيرة لدى العديد من المواطنين، والرأي العام في مصر حول مغزى هذا المصطلح، وتأثيراته خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية التي تعيشها المنطقة فماذا يعني هذا المصطلح، ولماذا تلجأ الدولة لهذا النوع من الاقتصاد؟.    

وكان رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي قد قال خلال مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي: "إذا تعرضت المنطقة لحرب إقليمية، فستكون هناك تداعيات شديدة، وستضطر الدولة المصرية بالتالي إلى التعامل مع ما يمكن وصفه بـ(اقتصاد حرب)"، مؤكداً "اهتمام الدولة بكيفية الحرص على استمرار واستقرار واستدامة توفير السلع والخدمات والبنية الأساسية للمواطن المصري في ظل الظروف الراهنة".

وأشار مدبولي إلى أنه حتى في الفترات التاريخية، التي كانت فيها الدولة طرفًا في حروب مباشرة، كان هناك توجه واضح للأحداث، وإمكانية للتخطيط بناءً على معطيات قائمة بالفعل على الأرض. لكن في ظل المرحلة الحالية، فإن "الوضع يتغير يومياً، حيث تعيش المنطقة حالة شديدة من عدم اليقين، الأمر الذي جعل الحكومة تعمل على سيناريوهات يتم تغييرها باستمرار وفق المستجدات الراهنة".

وأكد خبراء تحدثوا لـ آراب فاينانس أن مفهوم اقتصاد الحرب تلجأ إليه الدولة عند دخولها في حرب بشكل مباشر بينما هناك بعض إجراءات التحوط التي تتخذ للاستعداد لبعض السيناريوهات المتوقعة في هذا الأمر.

اقتصاد الحرب يستلزم تغيير في هيكل الموازنة العامة للدولة

من جانبه يوضح الدكتور فخري الفقي رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب والخبير السابق بصندوق النقد الدولي في تصريحات لـ آراب فاينانس أن اقتصاد الحرب مصطلح معروف دوليًا منذ نحو 250 عاما حيث ظهر خلال الحرب الأهلية الأمريكية ثم ظهر بعد ذلك خلال الحربين العالمية الأولى والثانية.

وحسب الفقي فإن مصر عرفت هذا المصطلح خلال الحرب مع إسرائيل ما بين أعوام 1967 و1973.

وأشار الفقي إلى أن اقتصاد الحرب يعني توجيه معظم موارد الدولة إن لم يكن جميعها للمجهود الحربي بما يستلزم تغيير في هيكل الموازنة العامة للدولة، وكذلك فيما يتعلق بنوعية القطاعات الإنتاجية مع توجيه الموارد الأساسية للدولة للدفاع عن مقدراتها.

وشدد الفقي على أن تطبيق اقتصاد الحرب يتطلب تداخل الدولة بشكل مباشر في حرب مع دولة أخرى وهذا غير حاصل حاليًا بالنسبة لمصر، وإن كان هناك تداعيات تؤثر على الاقتصاد المصري مثل الحرب على غزة أو لبنان وكذلك الصراع الإسرائيلي مع إيران، وهى تداعيات قد تؤثر على مصر عبر التأثير على سلاسل الإمداد خاصة الوقود والبترول والغاز حيث شهدت الأسعار ارتفاعات خلال الفترة الماضية.

التحوط لتوفير السلع الأساسية

كما تؤدي تلك التداعيات والمخاطر الجيوسياسية إلى إمكانية التأثير على أسعار السلع الأساسية مثل القمح، وهو ما يتطلب تدابير احترازية بحيث تكون مصر مستعدة لكل السيناريوهات وبالتالي لابد من ترتيب الأمور وفق الفقي.

وألمح الفقي، إلى أن رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي لم يكن يقصد اقتصاد الحرب بمفهومه المعروف إنما كان يعني التحوط لأي إجراء أو تداخلات قد تؤثر على الاقتصاد المصري مثل التحوط لتوفير السلع الاستراتيجية والمخزون منها خاصة مع تأثر قناة السويس بسبب الحرب على غزة، وكذلك تأثر الملاحة في البحر الأحمر.

وتابع: مصر لديها من القوة ما تحمي بها أمنها القومي، وأن رئيس الوزراء ربما يهيئ المواطنين لكافة السيناريوهات خاصة إذا حدث ارتفاع كبير في أسعار الطاقة نتيجة الحرب الدائرة بالمنطقة، وما لها من تأثيرات على الاقتصاد المصري وسلاسل الإمداد منبهًا إلى أن مصر لديها من المخزون الاستراتيجي من السلع الأساسية ما يكفيها لأكثر من 6 أشهر.

مصر مستقرة وتسير في توجهها التنموي

بينما قال الدكتور وليد جاب الله الخبير الاقتصادي وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع، إن الاقتصاد هو علم واحد لكن ظهر مؤخرا بعض المصطلحات مثل الاقتصاد الأخضر والأزرق، وغيره من المصطلحات الاقتصادية لافتًا إلى أن الحرب تعد ظرف استثنائي تفرض على الدولة إجراءات استثنائية، وهناك عدد من الاتفاقيات الدولية والتي تسمح للدولة بتعليق بعض التزاماتها في بعض الحالات ومنها الحرب.

وأشار جاب الله إلى أن هذه الإجراءات الاستثنائية تعني إعادة ترتيب أوجه الإنفاق لكون الإنفاق العسكري له الأولوية، ومن أجل تلك الأولوية يتم إعادة نظام الإنفاق سواء من الحكومة أو الشعب وهو مدعو أيضا أي "الشعب" للتنازل عن بعض من رفاهيته نتيجة هذا الظرف الاستثنائي موضحًا أنه لا يوجد نموذج معين لاقتصاد الحرب لكن الأمر يتعلق بالتركيز على الضروريات، وتوجيه النفقات الأساسية نحو الدفاع عن الدولة ومقدراتها حيث تكون النفقات الحربية هى التي لها الأولوية في حين يتم الاستغناء عن الرفاهيات، ويتوقف كل ذلك على موارد الدولة وإمكانياتها.

ويفسر جاب الله تصريح رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي بأنه لا يقصد أن مصر قريبة من إعلان حالة اقتصاد الحرب لكن يقصد أن مصر جاهزة لجميع السيناريوهات مشيرا إلى أن مصر دولة مستقرة حاليًا ولها برنامج متفق عليه مع صندوق النقد الدولي، وأنها قد بدأت مشروعها الإصلاحي منذ نوفمبر 2016 وهى تسير حاليًا في توجهها التنموي.

مصر قامت بتأمين احتياجاتها من السلع الرئيسية

ومن جانبها قالت الدكتورة منى بدير الخبيرة الاقتصادية والمحللة المالية، إن مصر مرت بمرحلة اقتصاد الحرب خلال حرب 1967 وحتى عام 1973 خلال حربها مع إسرائيل وكانت الموازنة توجه لتمويل الإنفاق العسكري لكنها شددت على أن مصر حاليًا لا تمر بمرحلة اقتصاد الحرب لأنها ليست طرف في هذه الحرب، وإن كانت هناك مخاطر جيوسياسية تؤثر عليها وعلى مواردها مثل التأثيرات التي ظهرت نتيجة الحرب على غزة، وتراجع إيرادات قناة السويس، وإن كانت هناك قطاعات لم تتأثر بشكل كبير مثل قطاع السياحة وتحويلات المصريين العاملين بالخارج في حين من المحتمل أن تؤثر تلك التغيرات الجيوسياسية على إمدادات بعض المواد الغذائية مثل الخبز وأسعاره فضلا عن أسعار الطاقة.

وأضافت بدير أنه في حالة اتساع نطاق الحرب فإنه من المتوقع ارتفاع أسعار البترول، ومصر في هذا الإطار قامت بتأمين احتياجاتها من السلع الرئيسية مشيرة إلى أن الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الاوروبية من مصلحتها استقرار مصر كدولة كبرى مشيرة إلى أن مصر قادرة على الحفاظ على استقرارها، منوهة بأنه ربما سيكون هناك سياسات تشددية محتملة في ضوء برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي كما سيكون هناك ترشيد للإنفاق لتخفيف الضغوط على ميزان المدفوعات.

يذكر ان مصطلح اقتصاد الحرب ظهر لأول مرة خلال الحرب الأهلية الأمريكية ما بين عامي 1861 و1865، ثم برز مجددا مع الحرب العالمية الثانية عندما أشار الرئيس الأمريكي آنذاك فرانكلين روزفلت في أحد خطاباته إلى ضرورة التحول إلى اقتصاد حرب في حال انتصار دول المحور.

وتعتبر الولايات المتحدة من بين أكثر الدول التي طبقت مفهوم اقتصاد الحرب خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية وحرب فيتنام.

ويعني اقتصاد الحرب تحويل الاقتصاد الوطني بشكل كامل أو جزء منه لخدمة المجهود الحربي وتوفير احتياجات القوات المسلحة وما تتطلبه لخوض المعارك العسكرية وكذلك الدفاع عن البلاد.

ويعتمد اقتصاد الحرب على مجموعة من القوانين التي تتيح للدولة السيطرة على كافة الموارد وتلزم المصانع بتطبيق تغييرات جوهرية لتحقيق الأهداف وتحقيق التوازن بين الاحتياجات العامة للدولة بما فيها الاحتياجات العسكرية، وتشمل أيضا تغييرات جوهرية بما فيها الضرائب.

وقد طبقت مصر اقتصاد الحرب قبل نحو 57 عاما وتحديدا في الفترة من 1967 وحتى 1973، عندما أعلن الدكتور عزيز صدقي رئيس الوزراء وقتها عن "ميزانية المعركة" التي جاءت بهدف تعبئة الاقتصاد وتنظيمه خلال فترة الحرب، بهدف توفير جميع احتياجات القوات المسلحة خلال فترة الحرب وتمويل المتطلبات الناتجة عنها.

وخلال ميزانية الحرب كان المقرر أن تعد الحكومة خطة للتصدير والاستيراد لضمان توفير الدولار مع التركيز على الاستيراد من الدول العربية والصديقة، مع العمل على إحلال المنتجات المحلية كبديل للمنتجات المستوردة، الأمر الذي يسهم في تعزيز الصناعة الوطنية وتقليل الاعتماد على الخارج.

 

 

أخبار متعلقة