قدّم صندوق النقد الدولي، منذ بدء تفشي فيروس كورونا، دعماً يُقدر بحوالي 18 مليار دولار لدول الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، ووصل حجم المساعدات المالية الطارئة وزيادات القروض المقدمة إلى 13 دولة إلى 15 مليار دولار.
ووفقا لتوقعات صندوق النقد، فإن اقتصاد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سينخفض بنسبة 5% خلال العام الجاري؛ ويرجع ذلك إلى أزمة كورونا والتي بدورها أظهرت جلياً الصعوبات الأخرى التي تواجهها المنطقة، مثل الاعتماد الكبير على النفط، والتحويلات المالية، والخدمات غير الملموسة.
وفي هذا الصدد، أجرت آراب فاينانس مقابلة مع جهاد آزور، مدير صندوق النقد الدولي للشرق الأوسط وآسيا الوسطى، للحصول على نظرة أكثر عمقاً على تعافي المنطة من الجائحة.
كيف أعاد صندوق النقد ترتيب أوليات دعمه لدول الشرق الأوسط وآسيا الوسطى جراء أزمة كورونا؟
تُمثل أزمة كورونا الصدمة الاقتصادية الأسرع تأثيراً في التاريخ الحديث؛ فقد أدى فرض الإغلاقات لمكافحة انتشار الفيروس إلى انهيار قطاعي التبادل التجاري والسياحة، وكذلك الأنشطة الداخلية للدول. وقد واجه مصدرو النفط ضربة مزدوجة جراء الأزمة وبسبب الانخفاض الحاد في أسعار الذهب الأسود وتراجع الطلب عليه.
ومن ناحيته، كانت استجابة صندوق النقد للأزمة سريعة؛ فقد قدّم مساعدات مالية جديدة بقيمة 17 مليار دولار منذ بداية العام الحالي، منها 6 مليار دولار تمثل مساعدات طارئة لدعم اقتصاديات عشر دول داخل الإقليم.
ونتيجة لهذا الدعم، ارتفع حجم التمويلات المقدمة لدول المنطقة بنسبة 50%، ويتنوع شكل الدعم المقدم ما بين مساعدات تخفيف أعباء الديون للبلدان منخفضة الدخل، وكذلك حث المؤسسات الثنائية ومتعددة الأطراف على تقديم المزيد من التمويل.
وهذا بالإضافة إلى تقديم المشورة حول كيفية إدارة تأثير أزمة كورونا، وتوفير سبل تنمية القدرات عن بعد.
وستستمر أوجه دعم صندوق النقد المختلفة طوال فترة تعافي الدول من الأزمة،حتى تصل إلى أهدافها لبناء اقتصاديات أكثر شمولية ومرونة.
بالتركيز أكثر على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يتوقع صندوق النقد أن يصل النمو الاقتصادي إلى -5% خلال 2020، فكم يلزم من الوقت لتحقيق معدلات نمو إيجابية؟
بناءاً على توقعات السيناريو الأساسي لصندوق النقد، قد تعاود معدلات الناتج المحلي الإجمالي تسجيل أرقاماً إيجابية بداية من العام المقبل، حيث من الممكن تحقيق معدل نمو يصل إلى 3.2%.
ولكن يظل معدل الناتج المحلي الإجمالي المتوقَع طبقاً لهذا السيناريو أقل مما كانت تشير إليه المؤشرات ما قبل الأزمة.
وحتى الأنّ آفاق هذا التعافي الحذر تخضع لقدر كبير من عدم اليقين؛ فقد سلطّت أزمة كورونا الضوء على تحديات هامة في المنطقة، مثل وجود قدر كبير من الديون، والحاجة المتزايدة للتمويل، ومواجهة تقلبات سوق النفط، وأيضاً معدلات البطالة المرتفعة، ووجود قطاعات غير رسمية. وقد تؤدي كل هذه العوامل إلى عرقلة مسيرة التعافي وترك أثر كبير.
من وجهة نظرك، ما هي الدولة التي ستستطيع التعافي بشكل أسرع في المنطقة، ولماذا؟
الدول التي كانت لديها صعوبات أقل ومساحات أكبر أمام صناعة القرارات وقت انتشار أزمة كورونا، وكذلك الدول استخدمت طرق استجابة سريعة وشاملة للحفاظ على أرواح مواطنيها وسبل معيشتهم، ستكون في موقع أفضل للتعافيي بشكل أسرع. أي أنّ الدول التي قامت بتطوير وضعها الاقتصادي قبل وباء كورونا استطاعت مواجهة الأزمة من موضع قوة.
وستكون المهمة أسهل للدول التي كان لديها حيّز مالي وقت بداية انتشار فيروس كورونا؛ حيث سيساعد ذلك على دعم سبل التعافي عن طريق تقديم حزم تحفيزية على نطاق أوسع بهدف زيادة الطلب وخلق فرص عمل جديدة. وهذا بالتزامن مع التقليل التدريجي من الاعتماد على المساعدات المالية المستهدفة، وذلك لتجنّب حدوث خسائر مفاجئة في الدخل أو إفلاس.
ولكنّ الدول التي كانت لديها مساحات محدودة أمام صناعة القرار وقت بداية الوباء مازال باستطاعتها وضع خطة للتعافي بشكل كبير تضمن اتخاذ تدابير حازمة لإعادة توجيه الإنفاق بهدف الحفاظ على قطاع الصحة والتعليم، وكذلك الإنفاق الاجتماعي، مع الحد من المخاطر المالية الناجمة عن وباء كوفيد-19.
ماذا يمكن للحكومات فعله للتخفيف من حدة الآثار الاقتصادية على مواطنيها، وكذلك للإسراع من وتيرة التعافي؟
في المستقبل القريب، يجب على كافة الدول احتواء الأزمة الصحية وتقليص خسائر الدخل بأكبر قدر ممكن. وكما ذكرت من قبل، يتحتّم على الدول التحرك بسرعة كبيرة لدعم سبل التعافي؛ فتلك التي كانت لديها حزم مالية سابقة ستستخدمها لإنعاش اقتصادها، أما الدول التي افتقرت إلى ذلك فسيكون عليها خلق حزم مالية جديدة.
وعن الدول التي تعتمد في اقتصادها على خدمات تأثرت جراء أزمة كورونا، فمن الضروري أن تعزز من المساعدات المؤقتة للفئات والقطاعات الأكثر تضرراً للحد من انعكاس أثر ذلك على الاقتصاد. وفي الدول ذات الحزم المالية المحدودة، يمكن تحقيق ذلك عن طريق إعادة ترتيب أولويات الإنفاق. ومع انحسار الأزمة الحالية، يجب على السلطات خلق حزم تحفيزية فعّالة للاستفادة من إعادة توزيع الموارد والعمالة.
أما على الجانب المالي، فيجب على صنّاع القرار الاستمرار في تحقيق التوازن بين استدامة المخصصات المالية والحفاظ على الاستقرار المالي خلال وقت الأزمة، وكذلك فترة الآثار الناجمة عنها. ولخلق استقرار مالي على المدى المتوسط، على الحكومات التخلص من التسهيلات التنظيمية، وتعزيز عمليات الإشراف على الأداء، وكذلك إعادة بناء مصدات الصدمات للقطاع المالي.
إنّ تقلبات أسعار النفط العالمية ضاعفت من تأثير أزمة كورونا على دول الشرق الأوسط، فماذا على الحكومات فعله لحماية اقتصادياتها من المزيد من عدم الاستقرار؟
جلبت الأزمة تحديات تواجه دول المنطقة، ومنها الاعتماد الكبيرليس فقط على النفط، ولكن أيضاً قطاعي التحويلات المالية والخدمات؛ ولذلك فإنّ تعزيز التنويع الاقتصادي سيكون أمراً حيوياً لزيادة مرونة اقتصاديات المنطقة. ويتطلب هذا الأمر وجود بيئة مؤسسية تشجع على نمو القطاع الخاص، وتسهيل إعادة توزيع المصادر على القطاعات الواعدة مثل التكنولوجيا والطاقة الخضراء، وكذلك زيادة الدعم الموجّه إلي الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم وأيضا الأعمال الناشئة.
وهذا بالإضافة إلى توفير نظام رعاية صحية واجتماعية لكافة المواطنين، وتعزيز الشمول المالي، ووضع خطط مالية متوسطة الأجل لدعم المرونة الاقتصادية. ومع التقدم في مسيرة التعافي، يجب على الدول التعامل مع عواقب أزمة كورونا مثل زيادة معدلات الديون وسقوط المصدات الخارجية.
تقدم أزمة كوفيد-19 فرصة لتعافي الاقتصاد بشكل أكثر قوة في كافة القطاعات؛ فهذا يعني تطبيق نظام جديد لتقديم حماية اجتماعية أقوى، وتوفير برامج تعليم متطورة لتعويض فترة توقّف الدراسة خلال انتشار الوباء، وتحسين نظام الحوكمة، وعدم التهاون في ملفات الفساد. ومن المفترض أن تساعد فترة التعافي على تعزيز الاستثمارات الحكومية في المشاريع خضراء والطاقة المتجددة، وفي توسيع نطاق البنية التحتية الرقمية، ودعم المهارات الرقمية لكافة العاملين.
تقدمت أكثر من 100 دولة بطلب مساعدات طارئة من صندوق النقد الدولي، فما هي الشروط الواجب توافرها، وكيف تراقبون مثل هذ الدعم؟
قدّم صندوق النقد الدولي، منذ بدء الأزمة، مساندات تُقدر بحوالي 18 مليار دولار لدول الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، ووصل حجم المساعدات المالية الطارئة وكذلك زيادات القروض المقدمة إلى 13 دولة إلى 15 مليار دولار. وسحبت المملكة المغربية كافة التمويل المتاح في حسابها لدى خط الوقاية والسيولة، أي ما يعادل 3 مليار دولار.
ويتم صرف المساعدات الطارئة تحت برنامجي التسهيل الإئتماني السريع وأداة التمويل السريع في وقت قصير جداً بدون الحاجة إلى وجود شروط مصاحبة عقب الموافقة على التمويل، وذلك بحجم مساندات قد تصل إلى 100% من حصة كل دولة لدى الصندوق. واستطاع صندوق النقد خلال الأزمة الحالية الموافقة بشكل سريع على المساعدات المالية الطارئة لعدد كبير من الدول.
وقد استخدم صندوق النقد أيضاً أدوات إقراض أخرى، والتي تُقدم فترات أطول من الدعم وحجم أكبر من التمويل،واستفادت منها الدول التي كانت تواجه تحديات قبل وقت الأزمة، وكذلك تلك التي من المتوقع فيها استمرار التداعيات الاقتصاديَّة السلبية لوباء كورونا لفترة طويلة.
تعتمد مصر على سوق الدين لديها، فكيف يمكن للدولة الوصول إلى توازن صحي بين الاستفادةالقصوى من الديون كأدوات مساندة وعدم تشكيل عبء على الاقتصاد؟
وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد، في 26 يونيو الماضي، على اتفاق للاستعداد الإئتماني مدته 12 شهراً يتيح لمصر الحصول على حوالي 5.2 مليار دولار، وذلك لمساعدة الدولة في الحفاظ على استقرار اقتصادها الكلي خلال فتر الأزمة، وكذلك استمرارية دعم الإصلاحات الهيكلية الأساسية. وقد جاءت هذه الاتفاقية عقب موافقة الصندوق في شهر مايو على أداة تمويل سريع بقيمة 2.8 مليار دولار لمصر، وذلك بهدف تلبية احتياجات ميزان المدفوعات وكذلك خلق دعم لاتفاق الاستعداد الائتماني.
وتقدم سياسات اتفاق الاستعداد الإئتماني أولوية للصحة والإنفاق الاجتماعي، وذلك بهدف تقليل المخاطر التي تواجه قدرة الدولة على تحمل الدين، وإعادة بناء احتياطيات النقد الأجنبي، والحفاض على الاستقرار المالي، ودعم الإصلاحات الهيكلية؛ وذلك لتشجيع النمو بقيادة القطاع الخاص، وتحسين الحوكمة المالية. ولهذا، يسير البرنامج بشكل جيد على المسار الصحيح.
وفي الوقت نفسه، عملت السلطات المحلية على تطوير برنامج من ثلاث مراحل حتى يتسني عودة الحياة إلى طبيعتها في مصر، وذلك في ظل استمرارية إدارة المخاطر التي تفرضها أزمة كوفيد-19 واحتمالية وجود موجة ثانية. وفي هذا السياق،رفعت الحكومة المصرية القيود التي فرضتها وقت انتشار الوباء على نشاط تجارة التجزئة والفنادق، كما فتحت الطيران أمام الرحلات الدولية.
يعيش لبنان حالة من الاضطراب الاقتصادي، فما هي خطط صندوق النقد الدولي لمساعدة الشعب اللبناني؟
عقب انفجار مرفأ بيروت، قدمت حكومة رئيس الوزراء حسن دياب استقالتها؛ وبقي صندوق النقد على اتصال مع الحكومة الانتقالية، ومسئولي البنك المركزي والبنك الدولي وشركاء آخرين من أجل تقديم الدعم الدولي الجماعي للبنان.
الصندوق النقد الدولي على أتم استعداد للتعاون مع الحكومة الجديدة التي ستتشكّل، من أجل خلق برنامج إصلاح ملائم للبنان وكذلك لتقديم المساعدة الفنية اللازمة لإيجاد القدرات التي تحتاجها وزارة المالية والبنك المركزي. ومن الضروري أن تتمتع الحكومة بدعم سياسي على نطاق واسع لتطبيق السياسات والإصلاحات التي يحتاجها لبنان.
كيف يمكن للحكومات في المنطقة دعم الشركات الناشئة في ظل وقت الأزمة، وهل توجد أمثلة على تقديم دعم بشكل كبير؟
ستتأثر الأعمال الناشئة على وجهة الخصوص جراء الكساد الناتج عن أزمة كوفيد-19؛ ولذلك، اتخذت العديد من دول المنطقة سياسات متنوعة لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، منها تأجيل سداد الديون، والإقراض المباشر من خلال المؤسسات الحكومية، وتمديد فترات الضمان.
إنّ الوصول إلى المستهدفين من الدعم أمر جوهري لتطبيق سياسات البرامج المرتبطة بأوقات انتشار الأوبئة، مثل مساندة الشركات الصغيرة والمتوسطة؛ فعلى سبيل المثال، توفر دولة أرمينيا قروضاً مدعومةً للشركات التي تتمتع بتاريخ ائتماني قوي.
ولدعم مسيرة التعافي الاقتصادي، يجب على الدول الاستمرار في تطبيق برامج إصلاح تهدف إلى توسيع الشمول المالي للأعمال الصغيرة والمتوسطة، الأمر الذي يؤدي إلى استدامة وشمولية النمو الاقتصادي على المدى المتوسط. وعلى السلطات المختصة تعزيز قدرة المؤسسات وتحسين بيئة الأعمال، وفي الوقت نفسه تقليل حجم القطاع الحكومي في اقتصاد الدولة.
أخيراً، بماذا تنصح الحكومات ومؤسسات القطاع الخاص؟
يجب أن تضع الحكومات احتواء الأزمة والحد من خسائر الدخل على رأس أولوياتها؛ فمع تضائل حجم المخاطر على الصحة العامة، على الدول دعم سياسة الشمول المالي وعرض التحديات عن طريق دعم الأنشطة الاقتصادية، دون تحمل مخاطر زائدة من خلال طرق ذات معايير جيدة.
والدول التي لديها حزم مالية كبيرة، مثل بعض الدول المصدرة للنفط، بإمكانها تقديم حزم تحفيزية على نطاق أكبر للعمل على زيادة الطلب والإنتاجية؛ وهذا قد يشمل الاستثمار في المشروعات الخضراء سواء في مجالات البنية التحتية والإنفاق الموجهة لتطبيق الرقمنة. أما الدول التي لديها حزم مالية محدودة، مثل الدول المستوردة للنفط، فيجب على حكوماتها إعادة توزيع النفقات، حتى تضمن حماية قطاعات الصحة، والتعليم، والإنفاق الاجتماعي.
ومع استعادة زخم التعافي الاقتصادي، على الدول إعادة بناء مصدات الصدمات واكتشاف سبل أخرى تضمن توزيع العبء الضريبي بشكل عادل، وأن يؤدي الإنفاق العام إلى تحقيق أفضل النتائج.
أجرى الحوار: نادين أبو العطا
ترجمة: إنجي الصافي