مبادرات مؤقتة أم استراتيجية دائمة.. كيف تستفيد الدولة من الطفرة في تحويلات المصريين بالخارج؟

أخر تحديث 2025/11/02 04:09:00 م
 مبادرات مؤقتة أم استراتيجية دائمة.. كيف تستفيد الدولة من الطفرة في تحويلات المصريين بالخارج؟

آراب فاينانس: طالب خبراء في مجال الهجرة، بضرورة وضع استراتيجية وطنية للتعامل مع المصريين العاملين بالخارج، مؤكدين على أن المبادرات التي تطلقها الحكومة بين حين وآخر لتشجيع المصريين العاملين بالخارج على تحويل مدخراتهم من النقد الأجنبي تعد وقتية وسرعان ما تنتهي ولا تسمح بتنفيذ خطط طويلة الأجل.

وحققت تحويلات المصريين العاملين بالخارج طفرة ملحوظة مؤخرًا حيث سجّلت هذه التحويلات قفزة كبيرة خلال الشهور الثمانية الأولى من العام الجاري، بزيادة نسبتها 47.2% لتصل إلى نحو 26.6 مليار دولار، مقابل 18.1 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي، بحسب بيانات البنك المركزي المصري.

وشهدت السنة المالية 2024/2025 تدفقات قياسية في تحويلات المصـريين العاملين بالخارج، حيث سجلت نحو 36.5 مليار دولار، بمعدل زيادة 66.2% مقابل نحو 21.9 مليار دولار خلال السنة المالية 2023/2024.

وأطلق البنك المركزي المصري، ووزارة الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج، مؤخرًا مبادرة "افتح حسابك في مصر" بالتعاون مع البنك الأهلي المصري وبنك مصر حيث تتيح المبادرة للمصريين العاملين بالخارج إمكانية فتح حسابات مصرفية في البنك الأهلي المصري أو بنك مصر.

أسباب عدم تحقيق المستهدف من مبادرات المصريين في الخارج

من جانبه يقول الدكتور أيمن زهري أستاذ دراسات الهجرة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة في تصريحات حصرية لـ آراب فاينانس إنه حتى الآن لا توجد سياسة حكومية معلنة للأسف للتعامل مع هجرة العمالة المصرية بالخارج، وإن كانت الحكومة أطلقت عدد من المبادرات لتشجيع العاملين بالخارج على تحويل عوائدهم من النقد الأجنبي إلى مصر مثل مبادرة بيتك في مصر، وغيرها لكن هذه المبادرات لم تحقق المستهدف منها بسبب عدم المتابعة الجيدة لها، فضلًا عن أن المبادرة نفسها هي عبارة عن تدخلات وقتية وحدث غير مستمر.

ويضيف زهري أن الأمر يحتاج شئ أكثر من المبادرة إذ يجب أن تكون هناك استراتيجية أو خطة عمل وطنية متكاملة للتعامل مع المصريين بالخارج، والاستفادة منهم وربطهم بالوطن الأم حيث يحتاج الأمر لخطة طويلة الأجل.

بينما يرى الدكتور خالد السيد حسن نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات الهجرة أن أحد أهم أسباب عدم نجاح المبادرات الحكومية لجذب المزيد من تحويلات المصريين بالخارج، هو أن المزايا الممنوحة لهم من هذه المبادرات لاتزال محدودة وغير كافية لإقناعهم بها، وأنهم يمكنهم أن يجدوا فرص استثمارية جاذبة في الدول التي يعيشون بها أكبر من الممنوحة لهم في مصر.

ويضيف حسن أنه على سبيل المثال مبادرة "تيسير استيراد سيارات المصريين بالخارج" هي مبادرة يرى الكثير من العاملين بالخارج أنها محملة بالمزيد من الأعباء المالية والإجرائية مثل تكاليف النقل والجمارك والروتين الحكومي.

 وتتلخص مبادرة تيسير استيراد سيارات المصريين في الخارج  في السماح للمغترب باستيراد سيارة خاصة معفاة مـن الضرائب والرسوم، باستثناء الضريبة الجمركية تخفض نسبة سدادها لتكون القيمة مستحقة السداد 30% وهى تتراوح بين 5 آلاف و13 ألف دولار ويتم استردادها بعد 5 سنوات بالمقابل المحلي للعملة الأجنبية المسدد بها، بسعر الصرف الرسمي وقت الاسترداد.

وحول مبادرة البنك المركزي المصري التي أطلقها مؤخرًا لفتح حسابات بنكية للمصريين العاملين بالخارج أشار حسن إلى أن معظم العاملين بالخارج لديهم حسابات بنكية قبل سفرهم للخارج لكن المبادرة قد تكون مفيدة لمن ليس لديهم حسابات بنكية في مصر وهؤلاء عددهم قليل للغاية.

ويُرجع هاني سليمان مدير المركز العربي للبحوث والدراسات والخبير في مجال الهجرة عدم نجاح المبادرات الحكومية الخاصة بالمصريين في الخارج إلى الغموض والتعقيد، وعدم الجاهزية إضافة إلى عدم وجود إجراءات واضحة لتنفيذها، وعدم التنسيق بين الجهات المسئولة عن المبادرات، وهو ما أدى إلى إحجام البعض عن هذه المبادرات، وعلى سبيل المثال فقد كان هناك مبالغة في أسعار العقارات المستهدف بيعها لهم، ولم تكن بها مزايا عن أسعار السوق.

ويطالب سليمان بضرورة بناء الثقة مع المصريين العاملين بالخارج، والقضاء على الصورة الذهنية السلبية التي تتعلق بأن الدولة ترغب في تحقيق العوائد الدولارية فقط دون النظر لمصالحهم.

ويشدد سليمان على ضرورة تقييم المبادرات السابقة، وتلافي السلبيات ونقاط الضعف بها خلال إطلاق مبادرات جديدة مع استطلاع أراء البعض منهم في تطلعاتهم المستقبلية في الاستثمار.

ما الذي يجب أن تتضمنه خطة العمل الوطنية؟

ويتطرق زهري إلى جانب أخر في قضية المصريين العاملين في الخارج، وهو ما يجب أن تتضمنه خطة العمل الوطنية التي دعا إليها للاستفادة من المصريين العاملين بالخارج إذ يشير إلى أنه ينبغي أن تراعي هذه الخطة ضرورة التركيز على تدريب وتأهيل العمالة المصرية بالخارج، والفائضة عن حاجة الاقتصاد الوطني، مع دراسة المهارات المطلوبة لسوق العمل الدولي.

ويشدد زهري على ضرورة فتح أسواق جديدة للعمالة المصرية بالخارج، لأن الأسواق القديمة والمقاصد التقليدية مثل أسواق بلدان الخليج حدث بها نوع من الاكتمال والتشبع، فضلًا عن المنافسة التي تشهدها العمالة المصرية بالخارج من أصحاب المهارات المنخفضة من جانب العمالة القادمة من جنوب شرق أسيا، والتي تقبل بدخول أقل من الدخول التي يقبلها المصريين.

 كما يشير زهري أيضًا إلى ضرورة أن تركز خطة العمل الوطنية تلك على الاستفادة من العمالة العائدة من الخارج، وتوجيههم لأسواق الاستثمار، واستيعابهم في المجتمع وأن يكون هناك نوع من الاحتواء لهم داخل الاقتصاد المصري، مع ضرورة فتح فرص استثمارية جديدة لهم، لأن القانون رقم 111 لسنة 1983 وهو قانون الهجرة ورعاية المصريين في الخارج ينص على أن تحويلات المصريين بالخارج يجب أن تُعامل معاملة الاستثمارات الأجنبية، وتمنح تخفيضات ضريبية.

ويضيف زهري إلى أن القانون في الواقع لا يطبق على نطاق واسع، نتيجة أن نحو 85% من تحويلات المصريين بالخارج تُنفق في سد الاحتياجات العاجلة لمتطلبات الأسر المصرية، وما يذهب منها للاستثمار المباشر لا يتجاوز 15%، وهو رقم ضئيل للغاية.

 تشجيع العاملين العائدين من الخارج للاستثمار في مصر

وأضاف زهري أنه ينبغي أن تكون هناك خطط وبرامج لحث المصريين على زيادة نسبة التحويلات الموجهة للاستثمار، إذ يجب أن تكون هناك عقلية استثمارية لدى المصريين العائدين من الخارج حتى يستطيعوا تغيير النمط السائد، وهو إيداع تحويلاتهم بالبنوك، وانتظار الفوائد منها فقط بل يجب توجيهها لاستثمارات مباشرة تدمج داخل الاقتصاد الوطني خاصة أن الاتجاه العام في العالم، وفي مصر أيضًا هو خفض أسعار الفائدة لذلك يجب أن يتواكب مع هذا التوجه فتح فرص جديدة للاستثمار للعائدين من الخارج وحثهم على المشاركة في هذه الفرص.

ويتفق حسن مع هذه الرؤية حيث طالب بضرورة تشجيع المصريين بالخارج على الاستثمار في مصر بتقديم حوافز أكبر لهم لتشجيعهم نحو تحويل مدخراتهم لمصر مع القضاء على البيروقراطية في تسليم الأراضي الخاصة بالمشروعات، حيث تقدم دول مثل الإمارات حوافز مغرية للمستثمرين تشجعهم على الاستثمار بها.

وأضاف حسن أنه ينبغي التواصل بين المصريين بالخارج والمقيمين بالداخل من خلال نقل خبراتهم التي اكتسبوها في الخارج، عبر المشاركة في المؤتمرات الاقتصادية حتى ولو من خلال الفيديو كونفرانس.   

أسباب زيادة تحويلات المصريين بالخارج

بينما يشير زهري إلى أن مصر تعد من أكبر 7 دول في العالم مستقبلة لتحويلات المواطنين بالخارج، إذ إنه خلال عام 2024 استقبلت مصر أكثر من 36 مليار دولار من تحويلات المصريين العاملين بالخارج، وهو مبلغ كبير جدًا، وارتفع بشكل ملحوظ، وإن كانت هناك فترات هبوط طفيف لهذه التحويلات، خلال عدم الاستقرار في سعر الصرف ووجود سوق موازية لصرف العملات الأجنبية، لكن مع انضباط سوق الصرف والقضاء على السوق الموازية بدأت تحويلات المصريين في الخارج توجه للسوق الرسمية في مصر، مما أدى إلى زيادتها بشكل ملحوظ.

ووفق  تقرير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء مستندًا إلى بيانات البنك الدولي لعام 2023/ 2024 تحتل مصر المركز السابع بـ 21.95 مليار دولار عالميًا من حيث حجم التحويلات المالية المرسلة لها من الخارج بعد كل من الهند 113,3 مليار دولار، والمكسيك 67,1 مليار دولار، والصين 48 مليار دولار، والفلبين 40,2 مليار دولار، و باكستان 33,2 مليار دولار، ثم بنجلادش 26,6 مليار دولار.

وأشار زهري إلى هناك عدة أسباب لزيادة تحويلات المصريين بالخارج منها ارتفاع أعداد العاملين المصريين بالخارج، إلى جانب حدوث نقلة نوعية في مهارات المصريين العاملين بالخارج خاصة في هجرة الأطباء المؤهلين، وإن كنت أعتبر ذلك هدر للكفاءات الوطنية. كما ارتفع عدد الشباب المهاجرين للخارج والمتخصصين في مجالي تكنولوجيا المعلومات، والذكاء الاصطناعي، مما أدى إلى زيادة التحويلات من النقد الأجنبي للأفراد، إضافة إلى أن الظروف الاقتصادية التي تمر بها مصر من تضخم وارتفاع أسعار أدى إلى زيادة تحويلات المصريين بالخارج لدعم أسرهم ومواجهة متطلبات الغلاء.

وتشير تقديرات وزارة الخارجية المصرية إلى أن عدد المصريين المهاجرين بالخارج سجل 11.08 مليون مهاجر فى عام 2022، بينما تشير تقديرات البنك الدولي لعام 2024 أن عدد المصريين العاملين بالخارج يصل إلى نحو 14 مليون شخص، يعمل معظمهم في دول الخليج العربي، ووفق تصريحات تليفزيونية لوزيرة الهجرة السابقة، سها جندي، في مارس عام 2024 يبلغ عدد العاملين المصريين بالخارج نحو 12 مليون يتواجد معظمهم في دول الخليج، حيث تضم السعودية أكبر جالية تضم 2.5 مليون مصري.

وأوضح  زهري أن عائدات المصريين بالخارج تتجاوز عائدات السياحة وقناة السويس معًا، حيث تعد المصدر الرئيسي للعملة الصعبة في مصر لذلك ينبغي أن توليها الدولة الاهتمام الكافي.

وحسب بيانات البنك المركزي تراجعت إيرادات قناة السويس خلال العام المالي 2024/2025 إلى 3.62 مليار دولار، مسجلة أدنى مستوى لها منذ 20 عاماً، بانخفاض نسبته 45.5% مقارنة بالعام المالي السابق.

من جانبه أكد حسن عبد الله محافظ البنك المركزي المصري، في بيان رسمي أن المبادرة الأخيرة وهى فتح حسابات بنكية للعاملين بالخارج ستُسهم في تشجيع تحويلات المصريين بالخارج إلى البنوك المصرية، وتعزيز استثمارهم لمدخراتهم في الأوعية الادخارية المتاحة داخل مصر، فضلًا عن تيسير الخدمات المصرفية المقدمة لهم.

اخبار مشابهة