في مقال الشهر الماضى تحدثنا عن إنجازات الهند التى جعلتها تبدو وكأنها تستعد على منصة الانطلاق لاحتلال مكانة أفضل وأقوى ضمن الاقتصادات العالمية الكبيرة. وذكرنا فى هذا المقال أربعة محاور عملت عليها الهند حتى تتبوأ هذه المكانة، فإذا قررنا تطبيق هذه «الروشتة» فى مصر، فماذا نحتاج؟
أولا نحتاج الـ Offhsoring ولمصر بالفعل باع طويل فى هذا القطاع الذى تضرر فى السنوات الماضية بسبب عدة مظاهر سلبية منها عدم الاهتمام بالقطاع الخاص، رغم كونه الجاذب الأول لأغلب أنواع الاستثمارات الأجنبية ومنها هذا النوع من الاستثمارات.
الخطوة التالية تصبح الاهتمام بتطوير القدرات البشرية لتمنحها القدرة على منافسة القدرات العالمية من حيث مهارات اللغة والقدرات التكنولوجية، حيث وضحنا فى المقال السابق أن الشركات تحولت من مجرد الاعتماد على الـ offshoring فى بعض الوظائف البسيطة إلى مرحلة استبدال بعض الوظائف الأساسية بعد شيوع ظاهرة العمل عن بعد خلال عصر فيروس الكوفيد.
وأخيرا يتبقى الاستثمار فى البنية التحتية الرقمية كأولوية قصوى لتصبح على أعلى المستويات المقبولة والضرورية لكبرى الشركات العالمية.
ثانيا تحدثنا فى المقال السابق عن اهتمام الهند بالصناعة، فى ظل الزيادة السكانية المكوكية التى تعاني منها، منتهزة فرصة المشاكل المتأججة بين الصين والدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة. والحقيقة أن مصر لديها فرصة أفضل من الهند لتحول الزيادة السكانية إلى موطن قوة بدلا من وضعها الحالى كعبء على المجتمع، حيث إن الاقتصاد المصري لديه قدرة أكبر على التنوع من الاقتصاد الهندي. دليلي على ذلك أن لدينا عدة قطاعات تستطيع أن تستوعب أعدادا وفيرة من العمالة ولكنها تتطلب الاستثمار فى الجانب البشري لتهيئته بالشكل المطلوب، وكذلك تهيئة المناخ للقطاع الخاص للنمو بشكل قوي. القطاع الصناعي والقطاع السياحي والقطاع الزراعي بصناعاته وأخيرا وليس آخرا قطاع التعدين كلها فرص حقيقية إذا عملنا عليها بشكل منظم ومتزامن فمن الممكن أن يشهد الاقتصاد المصري نموا بمعدلات تاريخية.
ثالثا ركزت الهند على الطاقة الجديدة والمتجددة وبينما تحاول مصر بالفعل التركيز على هذا القطاع ولكن يجب أن يتم تمكين القطاع الخاص من قيادة هذا القطاع، أما الإصرار على غير ذلك لن يحقق الأهداف المرجوة، فالقطاع الخاص فى العالم كله هو مركز الإبداع بما لديه من قدرة على الابتكار والتقدم. للدولة دور ضروري بالتأكيد فى هذا القطاع؛ خاصة فى المشاريع التى تحتاج استثمارات كبيرة، ولكن مصر لديها الإمكانية لتكون مركز إبداع وريادة فى هذه الصناعة، وممكن تحقيق ذلك عن طريق التعاون البناء والتكامل بين الحكومة والقطاع الخاص.
أخيرا، التحول الرقمي والشمول المالي والذى جعل الدورة الاقتصادية فى الهند أكثر سلاسة وجعلها بالتالي أسرع وأكثر قدرة على النمو، فهو يحتاج من الحكومة أن تفكر خارج الصندوق وأن تجعل المواطن يرى الفائدة التى تعود عليه من التطور ليتشجع ويقدم على هذا التحول.
كذلك تحتاج الحكومة أن تقوم هى نفسها بالتحول لنموذج تنموي يكون المواطن فيه شريكا حقيقيا فى النمو وليس تابعا للإرشادات الحكومية، نموذج تستهدف فيه الحكومة مؤشرات أوسع وأكثر شمولا من المؤشرات الاقتصادية المحدودة التى اعتدنا التركيز عليها مثل نسبة نمو الناتج المحلى لتنظر أيضا إلى المؤشرات التى تركز على الفرد وليس التى تركز فقط على الاقتصاد الكلي.
فى المقال السابق، ذكرت أن بنك الاستثمار مورجان ستانلي أطلق على العقد القادم «عقد الهند» ولكني أؤمن أن القدرات الكامنة فى مصر يجعلها فى وضع يسمح بأن تتحول قصة التحول الاقتصادي فى مصر إلى قصة تتغنى بها المؤسسات العالمية لعقود قادمة وليس فقط لعقد واحد.
بالتعاون مع جريدة الشروق