في أول درس في التمويل، تعلمنا أنه عندما يتعلق الأمر بالاقتراض الحكومي، فإن "الثقة والائتمان الكاملين" كان يعتبر أمراً مفروغاً منه نوعاً ما. يشير تعريف هذه العبارة إلى قوة الحكومة في الاقتراض وتعهدها بالوفاء بالتزاماتها المالية في الوقت المناسب.
على سبيل المثال ، تستمد أذون الخزانة قوتها من "الثقة والائتمان الكاملين" من جانب الحكومة، مما يضمن للمستثمرين ذوي الدخل الثابت سداد الفائدة وأصل الدين بغض النظر عن الوضع الاقتصادي.
على مقياس الجدارة الائتمانية بدءاً من AAA وصولًا إلى C وD، تحتل الولايات المتحدة المرتبة الأولى بتصنيف AAA، حيث يعتبر العديد من المستثمرين أن جميع الأوراق المالية التي تصدرها الولايات المتحدة خالية من المخاطر، وتكاد تكون الولايات المتحدة مضمونة دائماً بامتلاكها القدرة على طباعة المزيد من النقود أو فرض الضرائب لسداد ديونها.
ومع ذلك، رأينا مؤخراً نقاشاً حول سقف الدين وأثره في الكونجرس الأمريكي حتى تم التوصل إلى صفقة في اللحظات الأخيرة، وبالتالي تم تفادي التخلف عن السداد المحتمل من جانب الولايات المتحدة. لذلك، حتى الولايات المتحدة المُصنفة AAA يمكن أن تتخلف عن سداد ديونها، على الرغم من أن هذا احتمال ضئيل.
في الواقع، تخلفت الولايات المتحدة عن سداد ديونها مرة واحدة، وبالتحديد في عام 1979، لعدم سداد مدفوعات الفائدة في الوقت المناسب بسبب مشكلات فنية. وبعد نقاش مطول حول رفع سقف ديونها في ذلك الوقت، فشلت الخزانة الأمريكية في إصدار الشيكات الورقية المطلوبة في الوقت المناسب، وهي المرة الأولى والوحيدة التي تخلفت فيها الولايات المتحدة عن سداد ديونها، وإن كان ذلك لمدة ثلاثة أسابيع فقط.
إذا كان من الممكن أن يكون لدولة حاصلة على تصنيف AAA مخاطر تخلف عن السداد، فمن المتوقع أنه كلما انخفض التصنيف، زادت المخاطر. ومن ثَم، فإن مصر، المُصنفة B ، ينبغي أن يكون لديها مخاطر تخلف عن السداد أعلى بكثير، وفقاً لهذا المنطق.
في الواقع، يقبع تصنيف مصر بديونها خمس درجات في فئة "دون الجدارة الاستثمارية" ، وهو ما يفسر ارتفاع معدلات مبادلة التخلف عن سداد الائتمان لمدة خمس سنوات التي شهدناها بالنسبة لديون مصر.
لكن هل هذا يعني أن تخلف مصر عن السداد أمراً ممكناً حقاً؟ للإجابة على هذا السؤال، نحتاج أولاً إلى فهم أنه يمكن تلخيص التخلف عن السداد في كلمتين: القدرة والرغبة.
هل مصر لديها القدرة على الوفاء بالتزاماتها؟ بمعنى آخر، هل تستطيع سداد ديونها؟ الجواب نعم لكل من الديون المحلية والأجنبية. بالنسبة للأولى، يمكن لمصر أن تقوم بطباعة النقود لسداد ديونها بالعملة المحلية، على الرغم من المخاطرة التي ستنتج بسبب التضخم المتفشي. أما بالنسبة للأخير، فلا يمكن لمصر طباعة الدولار الأمريكي، لكن لديها أكثر من طريقة للحصول على رؤوس الأموال.
على سبيل المثال، يمكن لبرنامج الطروحات الحكومية الذي تخطط له الدولة أن يجلب العملات الأجنبية التي هي في أمَس الحاجة إليها إذا تم تنفيذه في الوقت المناسب. إذا لم يكن هذا كافياً، فإن بيع الأوراق المالية لمرة واحدة بدعم من قناة السويس، جوهرة تاج مصر، بمعدل خصم منخفض جداً (نظراً لأهميتها الدولية) وهو ما يمكن أن يساعد في جمع كمية هائلة من العملات الأجنبية. ويمكن بعد ذلك استخدام هذا لسداد كامل الديون الخارجية لمصر.
لكن هل مصر لديها الرغبة في الوفاء بالتزاماتها؟ يمكن ربط الإجابة على ذلك بالعودة إلى الجدل حول سقف الدين في الولايات المتحدة. ففي رأيي، يعد السبب الرئيسي وراء قيام الولايات المتحدة برفع سقف الدين، هو تجنب فقدان "الثقة والائتمان الكاملين" في رغبتها في سداد ديونها.
إن القرار الطوعي بالتخلف عن سداد الديون المستحقة هو قرار صعب للغاية على أي حكومة أن تتخذه، ويمكن أن يكون له تداعيات سياسية طويلة الأجل. في هذا المنعطف، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، لا يمكن لمصر أن تخاطر بسمعتها بالتخلف الطوعي عن سداد ديونها، خاصةً عندما يكون لديها القدرة على سدادها.
باختصار ، مصر لديها الرغبة والقدرة على الوفاء بالتزاماتها.
السؤال الوحيد هو كيف ومتى ستفعل ذلك بالضبط؟