تدهور سياسي واقتصادي ليس له مثيل
التدهور الاقتصادي للسودان لم يكن وليد اللحظة أو بسبب الحرب الحالية إنما هو تراكم من الضغوط الاقتصادية وسوء إدارة ثروات البلاد فحالياً السودان هي واحدة من أفقر دول العالم على الرغم من مواردها البشرية الكبيرة، حيث أن أكثر من 60% من التوزيع السكاني لديها شباب و تتحكم أيضا في أكثر من 80% من تجارة الصمغ العالمية، ناهيك عن كونها أكبر منتج للذهب في أفريقيا، لكن 80% من انتاجها معتمد على القطاع الأهلي ولذلك يتم تهريب أكثر من 70% منه للخارج.
بريق من الأمل ... ولكن
فالوضع في السودان كان مأسوياً قبل اندلاع الحرب، حيث دخلت الأسواق السودانية حالة من الانكماش الاقتصادي، وانخفض مؤشر مديري المشتريات إلى مستوى أقل من 50 ليعكس ركود السلع وانخفاض المشتريات بسبب ارتفاع الأسعار وتراجع سعر صرف الجنيه السوداني أمام باقي العملات الأجنبية.
ومما لاشك فيه، الحرب الدائرة حالياً ستضاعف من الضغوطات على الاقتصاد السوداني، بالإضافة إلى أن السودان سيواجه عقبات في سداد أي ديون، حيث تبلغ التكلفة التقديرية للحرب في اليوم الواحد مالا يقل عن نصف مليار دولار حسب دراسات أجنبية. فالحرب لم تبقي على أخضر أو يابس وتسببت في تدهور البنية التحتية وتفشي انعدام الأمن ونقص خدمات المياه والكهرباء.
ومنذ اندلاع الحرب، دعت دول العالم وعلى رأسها السعودية والإمارات والولايات المتحدة أطراف النزاع إلى هدنة يتم خلالها تسهيل إجلاء المدنيين. ولكن رغم موافقة الطرفين على وقف إطلاق النار إلا أن القتال تواصل وتوالت الاتهامات بين طرفي النزاع بخرق الهدنة.
تأثير الحرب يتعدى حدود السودان
تبعات الحرب لم تنحصر في السودان فحسب بل طالت بعض البلدان المجاورة مثل مصر وتشاد وأثيوبيا وجنوب السودان. فمثلاً السودان هي نافذة مصر لأسواق دول حوض النيل وشرق أفريقيا، حيث تحتل المرتبة الثانية كونها من أكبر الدول الأفريقية المستوردة للمنتجات المصرية. ومع استمرار التوترات في المنطقة سيتأثر حجم النشاط الاقتصادي بين البلدين بدون شك، فالسودان على سبيل المثال، هي مورد أساسي للمواشي واللحوم وتمد مصر بنحو 10% من احتياجها من هذه السلع.
تعتمد أيضاً جنوب السودان على حقول النفط التي توفر 90% من عائداتها ولا يمكن تصدير النفط إلا من خلال خطوط أنابيب تمر عبر السودان إلى البحر الأحمر، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى تعطيل تجارة النفط. أضف إلى ذلك أن العديد من المؤسسات المالية والبنوك الدولية متعددة الأطراف المنكشفة على السودان سيتأثر تصنيفها الائتماني وكفاءة أصولها. وعلى إثر الأحداث الحالية، فقد علق كلُ من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تمويلات كانت مخصصة لدعم الاقتصاد السوداني بإجمالي مبلغ 650 مليون دولار.
ولكن إلي متي هذا الدمار؟
فهل استمرار الحرب بين الجنرالين البرهان وحميدتي ستتسبب في اندلاع حرب أهلية طويلة المدى قد تؤدي إلى اختفاء دولة السودان العريقة أو تقسيمها إلى قطاعات متصارعة فيما بينها؟ هذا ما ستوضحه لنا الأيام القليلة القادمة، لكن يبقي الخطر أيضاً على الدول المجاورة، حيث أن تصاعد النزاع الحالي في السودان بالتأكيد سيهدد الأمن الإقليمي وخاصة دول الجوار السبع ومنها مصر وأثيوبيا وتشاد وجنوب السودان. ففي رأيي أن الحل للخروج من هذه الأزمة هو إجراء انتخابات حرة ونزيهة ليقول الشعب السوداني كلمته ويختار بين الحرب والدمار أم الذهب والرخاء.