نادى باريس، لمن لا يعرفه، هو مجموعة تمثل كبرى الدول الدائنة فى العالم الغربى، وتمتد عضويته بطريقة غير رسمية لتشمل بعض الاعضاء المراقبين مثل صندوق النقد الدولى، تضم العضوية أيضًا بصفة مراقب، الدول التى من الممكن أن تتأثر بمفاوضات الديون التى يجريها أعضاء النادى ومنها الدول الدائنة التى ليست عضوة فى النادى.
وتكون مفاوضات نادى باريس فى الأساس مع الدول المتعثرة أو المهددة بالتعثر، وتستهدف إيجاد حلول تشمل إعادة هيكلة الاقتصادات المتعثرة مع إعادة جدولة مديونياتها وما يتلو ذلك من شروط مختلفة، كان لمصر تاريخيًا اتفاقيتان مع النادى فى عامى 1987 و1991 مما يضحد زعم البعض أن مصر لم تتعثر فى سداد ديونها من قبل وإن كانت استطاعت الالتزام بشروط إعادة الجدولة فى ظل ظروف سياسية إقليمية خاصة جدا ساعدتها على ذلك.
ليس لزاما بطبيعة الحال أن أى عملية إعادة جدولة أو أية حالة تعثر تكون مرتبطة بنادى باريس ولكن يحدث ذلك عندما تكون مجموعة نادى باريس لها الحصة الأكبر من الديون، وكلما زاد عدد الدائنين، زادت التعقيدات فى المفاوضات، مما يجعلها أصعب وأطول، ويزداد خطرها عندما يطول أمدها، وخطورة استمرار مفاوضات إعادة الجدولة لفترة طويلة يكمن فى حقيقة أن أسواق التمويل الدولية تصير شبه مغلقة للدولة المدينة حتى تتمكن من العودة للمسار الطبيعى من جديد مما يشكل ضغط أكبر على عملتها واقتصادها.
المشكلة التى ظهرت أخيرًا أنه بسبب دخول القطاع الخاص بقوة أكبر فى مجال التمويل الحكومى زادت أعداد الدائنين كما زادت طلباتهم وصارت أصعب، وقد شهدنا ذلك أخيرًا فى عدد من حالات التعثر الدولى والذى نتج عنه تعقيد شديد فى المفاوضات أدى لتأجيل الوصول لاتفاقيات لفترة طويلة جدا.
والخطورة الأكبر التى شهدناها هى دخول الصين كطرف رئيسى فى العديد من المفاوضات أخيرًا وذلك بسبب دخولها كممول رئيسى للعديد من دول العالم الثالث فى آسيا وإفريقيا. ولا نعلم هل هى قلة خبرة من الجانب الصينى كدولة دائنة كبيرة أم عدم توافق بين الأطراف الكثيرة المالكة للدين داخل الصين، أم هو قرار واتجاه استراتيجى للسياسة الصينية، أيا كان فقد نتج عن دخول الصين فى عدد من المفاوضات تعقيد شديد جدا تسبب فى طول أمد مفاوضات لشهور طويلة دون إيجاد حلول لها.
لدونالد ترامب، أشهر رجل أعمال أشهر إفلاس شركاته فى التاريخ الأمريكى، كلمة شهيرة. يقول: «عندما تكون مدينا للبنك بمليون دولار فأنت فى مشكلة، ولكن عندما تكون مدينا للبنك بمائة مليون دولار فالبنك فى مشكلة»، والمقصود هنا أن حجم مديونياتك وثقلك الاقتصادى قد تجبر المفاوض على الرضوخ، أما اذا كان حجمك ومديونياتك لا تشكل عبئا للدائن فالمفاوض سيكون قاسيا. بالنسبة للنموذج الأول فقد رأينا مثالا على ذلك عند تعثر اليونان التى هددت كيان الاتحاد الاوروبى كله فهرع لنجدتها أما الدول النامية فثقلها لا يسمح لها أن تجبر أحدًا على الرضوخ لها فى المفاوضات ولذلك فدخول هذه الدول فى حالة التعثر من أساسه يجب أن يتم تلافيه بأى ثمن لأنه فى أغلب الحالات يكون الثمن أشد قسوة بكثير من أى ثمن قد تدفعه هذه الدول للالتزام بجدول السداد الأصلى.
خاصة الآن بالتعقيدات التى ذكرناها أعلاه يبدو هذا الخيار هو الأصعب على الإطلاق وثمنه يكون فادحا، وعلى ذلك يجب عدم الالتفات لبعض الأصوات التى تنادى بإعادة جدولة المديونيات فهذه الآلية لا يجب اللجوء إليها سوى فى أضيق الحدود الممكنة ويفضل ألا يتم اللجوء إليها على الاطلاق.