التحول في السياسة النقدية للبنك المركزي التركي
أعلنت تركيا نتيجة الانتخابات الرئاسية بفوز رجب طيب أردوغان بعد أن حصد 52% من إجمالي الأصوات مقابل 48% فقط لمنافسه كمال كليجدار أوغلو، حيث ركز أردوغان على الإنجازات التي تم تحقيقها مثل تحسن بعض المؤشرات الاقتصادية كتراجع معدلات التضخم في أبريل إلى 43.6% و تراجع معدلات البطالة إلى 10% في مارس 2023. بينما ركز أوغلو على السلبيات الحالية ومزاحمة الأجانب للمواطنين في الحصول على فرص عمل والآثار السلبية للزلزال.
وبعد إعادة انتخاب أردوغان بدأ التحول في السياسات النقدية و الاقتصادية لتركيا، حيث صرح أردوغان باحتمال العودة لسياسات أقرب إلى النهج التقليدي، حيث قام بتعيين خبيراً اقتصادياً سابقاً في بنك ميريل لينش الأميركي، محمد شيمشك وزيراً للاقتصاد، والمسؤولة السابقة في وول ستريت، حفيظة غاية إركان حاكمة للبنك المركزي ورفع البنك المركزي التركي في يونيو معدل الفائدة الرئيسية لأول مرة منذ أكثر من عامين بمقدار 6.5% إلى 15% في أول اجتماع له منذ تشكيل أردوغان حكومته الجديدة لجذب الاستثمارات الأجنبية، لكن قرار رفع الفائدة كان أقل من المتوقع، حيث توقعت بنوك الاستثمار رفع الفائدة بنسبة أكبر لمعالجة مشكلات التضخم وهو ما أحبط شهية المستثمرين لانتهاج المركزي التركي سياسة رفع تدريجي للفائدة بدلاً من الرفع الكبير، حيث انخفضت قيمة الليرة التركية بعدها بنسبة 9% إلى 25.9 ليرة/دولار.
وكانت سياسة أردوغان سابقاً تؤيد خفض أسعار الفائدة لتشجيع النمو الاقتصادي للبلاد لكن هذا النهج ساهم في الزيادة الحادة في التضخم الذي قارب 40% بوتيرة سنوية، كما كان له دور في تدهور العملة الوطنية التي خسرت أكثر من 80% من قيمتها مقابل الدولار خلال خمس سنوات.
المعوقات التي تواجه الاقتصاد التركي
يعاني الاقتصاد التركي من مشكلات عديدة تتمثل في انخفاض قيمة الليرة بشكل متزايد في السنوات الأخيرة، وارتفاع تكاليف المعيشة الناجم عن ارتفاع معدل التضخم وتراجع الانتاجية وتناقص الاحتياطيات التركية من العملات الأجنبية، إضافةً إلى تزايد قلق المستثمرين في السندات الحكومية التركية بشأن قدرة الحكومة التركية على سداد ديونها، وارتفاع قيمة الواردات التركية عن قيمة صادراتها وما يترتب عليه عجز في الحساب الجاري. ناهيك عن أثار الزلزال التي شملت 11 مقاطعة يمثلون 11% من الناتج المحلي الإجمالي بتكاليف إعادة إعمار قُدرت بـ 84 مليار دولار، حيث إنهار أكثر من 8,000 مبنى سكني وتجاري، وبلغ عدد ضحايا الزلزال ما يقرب من 50 ألفاً.
الفرص المتاحة لتحسن الاقتصاد التركي
هناك عوامل داخلية ساعدت في تحسن الاقتصاد التركي، حيث عمل أردوغان على تقوية سياسات الاقتصاد الكلي وجذب مستثمرين أجانب إلى تركيا إضافة إلى التدفقات النقدية غير الرسمية الواردة من الخارج من خلال تعزيز علاقاتها الثنائية ولا سيما مع روسيا، فالتدفقات الأجنبية تعتبر ثاني أكبر مصدر للعملات الأجنبية بعد السياحة. فنجد أن تكاليف السياحة أرخص بكثير من باقي الدول الأوروبية والعديد من الدول العربية، حيث بلغت الإيرادات السياحية لتركيا خلال الربع الأول من عام 2023 نحو 8.7 مليارات دولار وبزيادة نسبتها 32% على أساس سنوي، فتركيا تتميز بجوها الساحر و كثرة المناطق التاريخية والطبيعة الساحرة ناهيك عن تراثها الثقافي وأكلاتها المتنوعة.
ونجد أيضاً أن العوامل الخارجية كانت في صالح تركيا وهي تحسن الظروف المناخية، حيث تمكنت الاقتصادات الأوروبية من تجنب ركود عميق، فالدول الأوروبيةتعتبر أهم الشركاء التجاريين الرئيسين لتركيا، كما أن تحسن ظروف الطقس ساعدت في التخفيف من أعباء مدفوعات الغاز لتلبية احتياج تركيا إلى الطاقة.
المعادلة الصعبة أمام حفيظة
فهل ستنجح تركيا في التغلب على المشكلات الاقتصادية الحالية في ظل سياسة حفيظة أركان؟ نجد أن الرفع المستمر لمعدلات الفائدة سيساهم في زيادة التدفقات النقدية الأجنبية لأدوات الدين الحكومية ومن ثم زيادة الطلب على الليرة التركية وارتفاع قيمتها أمام الدولار، ولكن سيبطئ من وتيرة النشاط الاقتصادي وتوسعات الشركات، وهنا تأتي المعادلة الصعبة في مواجهة هذه التحديات. لذلك يجب على الحكومة التركية تحفيز الطلب المحلي ودعم الصادرات وتحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات الأجنبية وتنفيذ سياسات إصلاح هيكلية .. وأخيراً، تعزيز الشفافية والمساءلة.