ما الذي غيّر نظرة الشرق الأوسط إلى العملات الرقمية بعد سنوات من التردد؟

أخر تحديث 2025/11/05 09:26:00 ص
ما الذي غيّر نظرة الشرق الأوسط إلى العملات الرقمية بعد سنوات من التردد؟

في السابق، كانت العملات الرقمية تبدو كموضوع بعيد عن واقع كثير من بلدان الشرق الأوسط. الأخبار كانت تأتي من أوروبا وآسيا والولايات المتحدة، بينما كان الناس في الخليج يراقبون من بعيد. هذا التردد لم يعد موجودًا الآن. فما الذي تغير؟ وما الذي دفع مدنًا مثل دبي والرياض إلى تغيير نظرتها؟

البداية كانت بفهم أعمق، وتكنولوجيا أقوى، وقوانين واضحة. كما أن ثقة الخبراء، ودعم المؤسسات، وتبنّي حلولًا تراعي الخصوصيات الثقافية المحلية لعبت دورًا مهمًا في هذا التحول.

ما الذي يجعل الرموز الرقمية متوافقة مع الشرع؟

لسنوات طويلة، رأى كثيرون في المنطقة أن العملات الرقمية تنطوي على شكوك. كان البعض يعتقد أنها قريبة من المضاربة، مما أثار القلق بشأن توافقها مع الشريعة الإسلامية. هذه المخاوف ارتبطت بتقلب الأسعار، وغياب الأصول الملموسة، وتساؤلات حول الاستخدام الأخلاقي.

لكن الأمور بدأت تتغير عندما بدأ الخبراء بتوضيح الحالات التي تتوافق فيها العملات الرقمية مع مبادئ الشريعة. ففي عام 2018، صرّحت رئاسة الشؤون الدينية التركية بأن شراء وبيع العملات الرقمية لغرض الاستثمار غير مسموح به، بينما يُسمح باستخدامها كوسيلة للدفع. كان ذلك لحظة محورية.

منذ ذلك الوقت، نشر المتخصصون في المالية الإسلامية أدلة تفصيلية تميز بين الرموز المتوافقة مع الشريعة وتلك التي لا تنطبق عليها هذه المعايير. ولكي يتأكد الشخص من شرعية أي عملة رقمية، يُنصح دائمًا بالرجوع إلى أهل الخبرة، كما يفعل المستثمرون المحترفون. حتى مراجعات هؤلاء الخبراء المتاحة على الإنترنت يمكن أن تكون مفيدة.

القوائم التي تشرح أفضل عملات رقمية حلال تستند إلى مصادر أصيلة من فتاوى واجتهادات موثوقة، خالية من الآراء الشخصية أو التفسيرات الفردية. كما توضح هذه القوائم المبادئ التي تحدد ما إذا كانت العملة مقبولة شرعيًا، وتحدد المعايير التي ينبغي التحقق منها قبل الاستثمار.

ومع انخراط عدد متزايد من العلماء في مجال البلوك تشين، أصبح الوصول إلى التوجيه الشرعي أكثر سهولة، وكل سؤال بات له جواب منظم وموثوق.

دعم المؤسسات أحدث فرقًا كبيرًا

عندما بدأت البنوك الخاصة ومدراء الثروات يدركون اهتمام العملاء بالعملات الرقمية، تغير المشهد كليًا. ففي الإمارات، كشف استطلاع أجرته "أفالوك" في أوائل عام 2025 أن 39 بالمئة من المستثمرين الأثرياء يمتلكون عملات رقمية، لكن 20 بالمئة فقط منهم يتعاملون مع البنوك التقليدية لإدارتها.

كان هذا بمثابة رسالة واضحة. الناس بدأوا بالفعل بشراء وتخزين العملات الرقمية، والبنوك كانت تحاول اللحاق بالركب. مدراء العلاقات لم يكن لديهم إجابات كافية. ونتيجة لذلك، قال 63 بالمئة من المستثمرين إنهم يفكرون في تغيير شركة إدارة الثروات الخاصة بهم. احتياجاتهم تطورت أسرع من الخدمات المقدمة.

بدأت "أفالوك" بدمج خدمات حفظ العملات الرقمية، بالتعاون مع شركات مثل "فايربلوكس" ومؤسسات مالية كبرى مثل "بنك كانتون زيورخ" و"بي بي في إيه". هذا الأمر منح البنوك وسيلة آمنة لتقديم خدمات الأصول الرقمية دون الحاجة إلى إعادة بناء أنظمتها.

في الوقت نفسه، أسست دبي في عام 2022 هيئة تنظيم الأصول الافتراضية، المعروفة باسم VARA. قدمت الهيئة لوائح واضحة للشركات المالية، مما عزز الثقة في القطاع. ذلك المزيج من طلب العملاء، والحلول التقنية، والإشراف القانوني أطلق موجة من الزخم.

العملات المستقرة والأصول الحقيقية عززت الثقة

لا يزال تقلب الأسعار مصدر قلق لكثير من الناس، خاصة أولئك الذين يفكرون على المدى الطويل. أشار مستثمرو العملات الرقمية في الإمارات إلى تقلبات الأسعار كأكبر مصدر للقلق، إلى جانب قلة المعرفة وعدم وضوح مستقبل المنصات. وجاء الحل عبر العملات المستقرة.

هذه رموز رقمية مربوطة بأصول حقيقية. بعضها مرتبط بالدولار، والبعض الآخر مدعوم بالذهب أو النفط. حركتها محدودة، وتوفر أرضية أكثر استقرارًا. وهذا ساعد التجار ومزودي خدمات الدفع على رؤية فرصة حقيقية.

في عام 2017، تراجعت العديد من الشركات عن قبول "بيتكوين" بسبب الرسوم المرتفعة وسرعة المعالجة المنخفضة. أما اليوم، فإن العملات المستقرة المدعومة بالذهب تقدم بديلًا واقعيًا. هذه العملات تحتفظ بقيمتها لأنها مربوطة بأصل يحظى بالثقة. الذهب لطالما كان موضع تقدير في الأسواق العربية، خصوصًا في السعودية ودبي وإيران ومصر. وهذه الأسواق تدرك مسبقًا مكانة الذهب كأداة استثمارية.

العملات المستقرة تؤدي نفس وظائف العملات الرقمية التقليدية. تتيح الدفع السريع، والتحويلات الدولية، ورسوم المعاملات المنخفضة. الفرق هو في الثبات. العملة التي يتغير سعرها بمقدار آلاف خلال عام، ثم تفقد 90 بالمئة من قيمتها في العام التالي، لا تصلح للاستخدام اليومي. العملات المستقرة تعالج هذا الخلل.

القوانين الجديدة غيّرت قواعد اللعبة

في عام 2025، أصدرت دولة الإمارات قانونًا مصرفيًا جديدًا وسّع من صلاحيات المصرف المركزي لتشمل خدمات الأصول الافتراضية ومزودي التكنولوجيا المرتبطة بالعملات الرقمية. هذا منح شركات العملات الرقمية دافعًا للبناء، وفتح المجال أمام البنوك لتقديم عروض جديدة.

في نفس العام، وقعت وزارة المالية اتفاقية إطار تبادل تقارير الأصول الرقمية، مما يدل على نيتها تنفيذ نظام تبادل بيانات تلقائي بحلول عام 2028. ذلك أظهر انسجامًا مع المعايير المالية العالمية، وأسّس بيئة داعمة للشفافية والنمو.

في الوقت نفسه، ارتفع الطلب. بحلول أوائل عام 2025، أصبح هناك 241,700 مليونير من مستثمري العملات الرقمية حول العالم، بزيادة قدرها 40 بالمئة عن العام السابق. هذا الرقم شمل مستثمرين من الإمارات وسويسرا وسنغافورة وهونغ كونغ. ما يجمع بين هذه المراكز هو الثقة في البنية التحتية الرقمية والاستعداد للتوسع.

ماذا تعني هذه النقلة فعليًا؟

عندما أصبحت الصورة واضحة، تلاشى التردد. الشرق الأوسط لم يتجه نحو العملات الرقمية بدافع الموضة أو الإثارة، بل نتيجة التنظيم والاستراتيجية والمضمون. الناس أدركوا الفائدة في استخدامها للدفع والتحويل والادخار. شرح الخبراء ما يتماشى مع الشريعة، وفّرت البنوك الأدوات المطلوبة، ووضعت الحكومات القوانين اللازمة لجعل الأمر رسميًا.

أصبح هناك اليوم أنظمة تجمع بين الثقة والتقاليد والتكنولوجيا. الأصول الرقمية المدعومة بالذهب أو المتوافقة مع الشريعة خلقت بيئة يشعر فيها المستثمرون المحليون بالاطمئنان. القوانين الواضحة، والمنصات المتطورة، وحملات التوعية أنجزت المهمة. ومع ظهور الإجابيات، بدأ التحول.

اخبار مشابهة