مما لاشك فيه أن طبيعة المشروعات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة تختلف عن المشروعات الكبيرة؛ حيث يمثل حجم تلك المشروعات اكثر من 90 % من حجم الأعمال عالميًا حسب بعض الدراسات الاقتصادية منتظمة التعاون الاقتصادى والبنك الدولى لذلك يتضح لنا أن الاستثمار في رواد الأعمال و الشركات الناشئة هو الاستثمار الأذكى.
و الذي يحقق أعلى عائد و لكنه يحتاج مستثمر ملاك له طبيعة و مواصفات خاصة؛ حيث يتراوح حجم الاسثمار النموذجى من 120 الى 150 الف دولار للمشروع الواحد وقد يتعدي الاستثمار الملاك هذه الأرقام و قد يقل عنها على حسب نموذج الأعمال أو النموذج التجاري للشركة الناشئة (Business model).
المتعارف عليه حسب الدراسات أن نسبة النجاح لا تتعدي 11%? في محفظة أي مستثمر ملاك في الشركات الناشئة في العالم و هذه نسبة بالتأكيد قد تبدو مخيفة لمعظم المستثمرين في مجال الأعمال و هذا يؤكد ما ذكرته سابقًا أن المستثمر الملاك في الشركات الناشئة لا بد أن يكون له طبيعة خاصة و هذه الطبيعة لا تتوفر ألا في عدد محدود جدًا من المستثمرين و رجال و سيدات الأعمال في العالم و حتي مع هذه النسبة القليلة ما زلت أصر على رأيي الشخصي أن النسبة يمكن أن تكون أعلى بكثير بصورة إستثنائية إذا كانت تتوافر سمات شخصية معينة في المستثمر الملاك و سوف يتم تناولها لاحقًا.
سمة الشخصية الأولى هي الجرأة و القدرة علي المخاطرة المدروسة و التقبل لأي نتيجة و تحمل المسئولية كاملةً، صحيح أن استثمار واحد فقط يمكن ان يحقق عائد يعوض كل الأموال المستثمرة بأضعافها و لكن المستثمر الملاك لا بد أن يكون متقبل و مستعد لكل السيناريوهات في الشركات الناشئة الي يستثمر فيها.
سمة الشخصية الثانية عند المستثمر الملاك هي قدرته علي رؤية الأمور بشكل مختلف غير تقليدي يختلف عن السائد في مجتمع الأعمال فلا بد أن يكون له رؤية مميزة خاصة به و لا تتأثر بأي آراء من المحيطين به أو أي ظروف اقتصادية فمن الطبيعي عند تنفيذ اي صفقة استحواذ او استثمار يكون المبدأ الأساسي و التقليدي المتعارف عليه هو السعي للحصول على أعلى نسبة شراكة بأقل سعر هي الهدف الرئيسي لأي مستثمر أو رجل أعمال أو كيان استثماري و لكن علي العكس هذه القاعدة لا تنطبق في المطلق في الاستثمار في الشركات الناشئة بل على العكس قد يتطلب الأمر التصرف عكس هذه القاعدة تمامًا في بعض الأحيان للحفاظ على الكيانات الناشئة و مساعدتها و دعمها و تمهيد الطريق لها لتتحول الي كيانات اقتصادية كبيرة ناجحة و هذا من خلال محاولة الحفاظ علي نسبة المؤسس أن تبقي بالرقم و القيمة التي تحافظ علي طموحه و حلمه الذي يسعي لتحقيقه فليس من الحكمة أبدًا تحويل رائد الأعمال الي موظف يعمل في شركة كانت بالنسبة له الحلم الذي يفتخر بتحقيقه و إمتلاك جزء كبير حاكم أو علي الأقل جزء يرضيه معنويًا و ماديًا و من ناحية أخرى لا بد من الزام المؤسس بعدم بيع نصيبه ألا بعد عدد سنوات معينة يتم الإتفاق عليها.
حقيقة الأمر من وجهة نظري إن كل شركة ناشئة لها معادلة نجاح خاصة بها قد لا تنطبق علي شركة ناشئة أخري سواء نسبة ملكية المؤسس أو المؤسسين أو نسبة الملكية التي من الممكن ان تمنح لفريق العمل في الشركة( ESOP ) هذا بالإضافة إلى النسبة التي يمتلكها المستثمر الملاك أو صناديق رأس المال المخاطر للإستثمار في الشركات الناشئة و الهدف الأساسي لأي مستثمر في الشركات الناشئة يجب أن يكون الحفاظ علي ارتباط رائد الأعمال و المؤسسين و فريق العمل بالشركة الناشئة و الحفاظ على روح الحماس و إحساس المؤسسين بالملكية و التقدير المعنوي من خلال تحقيق قصة نجاح يفتخر بها المؤسسون و تضاف الي سجل أعمالهم كرواد أعمال.
و بالرغم من أن وجود مؤسس متميز و فكرة واعدة هي من أهم عناصر اتخاذ القرار لدي المستثمر الملاك و لكن هناك عنصر آخر قد يغفل عنه معظم المستثمرين هذا العنصر من وجهة نظري يدركه جيداً المستثمر الملاك الذكى و هذا العنصر هو قدرة رائد الأعمال علي بناء كيان ناجح قد يعمل بدونه في المدي المتوسط و البعيد و من وجهة نظري هذه إمكانية نادرة عند معظم رواد الأعمال المتميزين حيث أن النسبة الكبيرة منهم يرتبطون بمشاريعهم لدرجة تفقدهم القدرة علي حوكمة الشركة الناشئة بالشكل الذي يسمح لها أن تكون كيان إقتصادي كبير يعمل بذاته بصرف النظر عن الأشخاص من خلال منظومة قوية للحوكمة التي هي من وجهة نظري من أهم عوامل نجاح أي كيان إقتصادي.
فى النهاية، يجب الوضع فالإعتبار ان مؤشر نجاح المستثمر الملاك في الشركة الناشئة لا يجب أن يقاس فقط بالخروج بمكاسب أو الطرح في البورصة او الاستحواذ بعائد كبير علي الإستثمار بل هو يقاس أيضاً بالفرق الذي أحدثه المستثمر الملاك منذ إستثماره في الشركة و النمو المتواصل للشركة و درجة الحوكمة دون النظر فقط الي الخروج بمكاسب شخصية للمستثمر الملاك.