كثيراً ما يسألني من يقابلني عن طبيعة عملي وعندما يكون ردي "مستثمر ملاك" غالباً ما يتم سؤالي للمرة الثانية ويطلب مني التفسير ويكون ردي أني أستثمر في الشركات الناشئة ورواد الأعمال. وفي الحقيقة أود أن أتناول عملي وهو الاستثمار الملائكي من زاوية مختلفة وهي الزاوية أو العدسة التي أرى عملي ورسالتي من خلالها فطالما بحثت عن رسالتي في الحياة غير رسالتي الأصلية وهي كوني زوجة وأم متفانية تبذل قصار جهدها من أجل نجاح ورخاء وسعادة أسرتها فقد كنت دائماً أبحث عن رسالة أخري في الحياة وبفضل الله وجدتها في الاستثمار الملائكي.
الحقيقة عملي كمستثمر ملاك أتاح لي الفرصة لكي أستثمر في أغلي ثروة يمتلكها البشر ألا وهي "الذكاء البشري"، نعم لقد قرأتها صحيحة إني أستثمر في الذكاء البشري وليس الذكاء الاصطناعي انتي أستثمر في الإمكانيات العقلية والنفسية والتجارب الإنسانية والانتصارات البشرية الداخلية سواء كانت عقلية أو نفسية مثل قوة الإرادة وقوة العزيمة والرغبة في تحقيق الذات والشغف والإبداع والإختراع والتحدي والقوة والرغبة في التميز والمرونة والقدرة علي حل أي مشكلة والخروج من أي أزمة ورؤية الفرصة في كل موقف وكل وقت وغير ذلك.
ومن وجهة نظري، هذه هي أغلى وأقيم ثروة ممكن أن يستثمر فيها أي مستثمر ملاك في العالم فلكل إنسان مننا رحلة في الحياة نتعلم فيها الكثير ونواجه فيها الكثير من التحديات، وقد يواجه الإنسان انكسارات أو هزائم تصقله كإنسان في حياته وكرائد أعمال في رحلة عمله وكفاحه، وحينما ينتصر الإنسان بصفة عامة ورائد الأعمال بصفة خاصة يكون قد تعلم الدروس التي يحتاجها في الحياة ليكون إنسان أو رائد أعمال أفضل لكي يكمل رحلته في الحياة وينطلق في طريقه في الحياة، والعمل الذي بالتالي يوصله للنجاح الذي بهدف إليه ويتمناه ويجد حلمه يتحقق ويتحول لحقيقة بشرط أن يكون قادر علي تعلم الدروس الحياتية والاستفادة منها وعدم تكرار الأخطاء. وبالتالي الاستثمار الملائكي هو أرقى وأرفع أنواع الاستثمار بسبب قيمة الذكاء البشري.
ومن ناحية أخرى، هناك ثروة أو قيمة أخرى أستثمر فيها كمستثمر ملاك ألا وهي "الوقت" الذي هو ثاني أقيم ثروة أستثمر فيها وهي أغلي ما يمتلك الإنسان في حياته بعد عقله وهي الوقت. فعندما أستثمر في رائد الأعمال فأنا في الحقيقة أستثمر في ذكاءه وإمكانياته ووقته وهذا أغلى ما يمتلك فبتقديم الدعم المطلوب سواء كان مادي أو معنوي فإنني بذلك أوفر له الوقت وأهيء له الظروف لاختصار رحلة النجاح وتسريع الوصول للهدف مع مراعاة فكرة عدم تحويل رائد الأعمال الي موظف يعمل في شركته عن طريق الاستحواذ علي نسب غير عادلة مثل 51% أو أكثر، وفي حالات نادرة تحدث فقط في مصر بعض نسب الإستحواذ وصلت إلى 75% بسبب اعتقاد المستثمر أنه سوف يستطيع إدارة الشركة بمفرده وفرض وجهة نظره والسيطرة علي رائد الأعمال وقتل طموحه وتحويله إلى موظف في شركته، وبالتالي يرى حلمه يسلب منه أمامه لمجرد أنه كان يحتاج دعم مادي ومنبهر بإسم المستثمر الذي لا يضيف أي قيمة حقيقة لشركته فهذا غير مقبول تماماً في عالم الاستثمار الملائكي، وقد يؤدي إلى فشل الشركة وضياع مجهود رائد الأعمال وأموال المستثمر الذي لم يحالفه التوفيق في طريقة التفكير. فمن أقوال ستيف چوبز المأثورة " ليس من المنطقي أن نوظف الأذكياء ونخبرهم بما يجب عليهم فعله، نحن نوظف الأذكياء حتى يتمكنوا من إخبارنا بما يجب أن نفعله "
ولهذا فإني أكرر أن المستثمر الملاك الذكي يستثمر في ذكاء وإمكانيات رائد الأعمال وفريق العمل وليس من المفروض أن يفرض وجهة نظره بل من المفروض أن يثق في إمكانيات وقدرات فريق العمل الذي يستثمر فيه وفي إمكانياته وفي شركته، فمن ناحية أخري وقد تتفاجئ عزيزي القاريء عندما تجدني أعترف أنني في الحقيقة أستثمر في ذكائي ووقتي أيضاً فالاستفادة والفوائد متبادلة في الحقيقة
فمن أقوال سقراط المأثورة "ان الحكمة الحقيقية الوحيدة هو معرفة انك لا تعرف شئ "
فمن عدم الذكاء عند أي إنسان أو أي مستثمر الإحساس أنه يعرف كل شيء في عالم رواد الأعمال والشركات الناشئة أو حتى الشركات الكبيرة في كل المجالات والأسواق والتخصصات المختلفة فالحياة رحلة تعلم مستمرة لا تنتهي
ولهذا لا أجد أي غضاضة في أن أعترف أني لست فقط أفيد وأدعم رواد الأعمال بالمال أو الدعم المعنوي أو الوقت أو الذكاء أو الحكمة أو الرؤية الثاقبة أو التفكير خارج الصندوق بل إني أيضا أتعلم من كل رائد أعمال أعمل معه علي نجاح مشروعه وأخوض التجربة كاملة معه على أرض الواقع و هذه متعة بالنسبة لي متعة ليس لها مثيل وليس بعدها متعة وهي شغفي الحقيقي في الحياة الذي أحمد الله عليه كل يوم وأشكره أنه أرشدني إليه في هذه المرحلة في حياتي. فالمستثمر الملاك الموهوب الحقيقي لا بد أن يشعر بسعادة غامرة عندما يجد أمامه فرصة استثمارية جذابة حتي لو فيها مغامرة كبيرة فهي هدية من الله فيها خير كبير سواء مكسب مادي أو دروس نتعلمها أو رحلة كفاح وطموح أستمتع بها مع رائد الأعمال وفريق العمل وتؤدي بنا جميعاً في النهاية الي المساهمة في رخاء وإزدهار بلدنا ويمتد تأثيرنا الإيجابي للأمم الأخرى وبالتالي يزدهر العالم كله كنتيجة أو محصلة نهائية لهذا التناغم المرجو بين المستثمر الملاك ورائد الأعمال الذين يصنعون النجاح سوياً ويوفرون فرص عمل وأمل للشباب سوياً ويعملون علي ازدهار ورخاء بلادهم سوياً يداً بيد.