إن ما يسمى "بالفوضى الخلاقة" التي كان يسعى الغرب إلى تحقيقها في المنطقة الشرق أوسطية على وجه العموم والمنطقة العربية على وجه الخصوص، والتي ترتب عليها ما يعرف بثورات "الربيع العربي" لتحقيق المخططات الغربية في رسم شرق أوسطي جديد يتكون من مجموعة دويلات لا تستطيع أكبر دويلة فيها التصدي لأوهام التوسع التي يستمد منها الكيان.
الذي تم زرعه في المنطقة العربية قدرته على الحياة، وقد نجحت الفوضى السياسية في إزاحة أنظمة الحكم في كل من تونس ومصر واليمن وليبيا، بالإضافة الي تحريك موجات كبيرة من الاحتجاجات في كل من سوريا، الجزائر، البحرين، جيبوتي، العراق، الأردن، المغرب، عمان وتركيا، بالإضافة الي احتجاجات محدودة في كل من الكويت، لبنان، موريتانيا، السعودية، السودان، والصحراء الغربية، إلإ إن الدولة المصرية بما لديها من قدرات عسكرية وبشرية تمكنت من إفشال هذا المخطط في مصر وبالتالي في المنطقة الشرق أوسطيه بالكامل، حتى بعد إزاحة نظام ورجال مبارك من المشهد السياسي بالكامل.
إلا أن الغرب لا يتنازل عن مخططاته بسهولة، وبالتالي فبعد أن فشل في اسقاط الدولة المصرية سياسيًا عمل على اسقاطها اقتصاديًا على أمل أن يخلق فوضي في الشارع المصري تنتهي باسقاط الدولة وليس النظام الذي سقط قبل ذلك ولم تسقط الدولة المصرية.
وكانت بدية الفوضى الاقتصادية هي ما يسمي ببرنامج "الإصلاح الاقتصادي" الذي فرضه صندوق النقد الدولي على الحكومة المصرية ويأتي في مقدمة أولوياته تعويم الجنيه المصري حتى يقبل الصندوق التوسع في منح القروض للدولة المصرية وكذلك تشجيع شركاء الصندوق والمؤسسات المالية الدولية على إقراض الدولة المصرية وكذلك تشجيع الحكومة المصرية على إصدار سندات في الأسواق الدولية ذات مدى زمني قصير للسداد، وهو ما أدى إلى إنهاك الاقتصاد المصري وجعله غير قادر علي خدمة الدين الخارجي عن طريق الناتج المحلي فضلاً عن عدم قدرة الدولة المصرية علي سداد الدين الخارجي بدين آخر نتيجة للخفض المستمر للتصنيف الائتماني لمصر مما أضعف الإقبال على شراء سندات الحكومة المصرية في الأسواق الدولية.
وكانت نتيجة التعويم المباشرة تعرض الاقتصاد المصري لموجات تضخمية عاتية تمثلت في رفع تكلفة فاتورة الاستيراد بالجنيه المصري إلى أكثر من أربعة اضعافها قبل التعويم، وقد ترتب علي هذا التضخم (Hyper Inflation) غير المسبوق في تاريخ الاقتصاد المصري الحديث إلى رفع سعر الفائدة على الودائع بالجنيه المصري (من 8% تقريبًا قبل التعويم الي 27% حاليًا) وهو ما أدي بالتبعية إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض لدى الشركات ومنظمات الأعمال وكذلك الأفراد وكذلك تكلفة خدمة الدين المحلي، والتوسع في اصدار أذون خزانة بالعملة المحلية بعائد مرتفع والتي جذبت البنوك لشرائها واقراض الحكومة لسداد مديونيتها بدلًا من توجيه أموال البنوك لإقراض الشركات بما يضمن تنشيط الاقتصاد، وهو ما أدى الي معاناه الاقتصاد المصري من أسوأ أنواع التضخم وهو الكساد التضخمي؛ حيث يقل المعروض من السلع والخدمات مع ارتفاع تكلفة الحصول عليها.
إلا أن الأثر الأشد خطورة لخفض قيمة الجنيه المصري على الاقتصاد المصري، نتيجة للتعويم وارتفاع سعر الفائدة على الودائع لتجنب ظاهرة الدولرة بالإضافة إلى خفض التصنيف الائتماني لمصر، يتمركز في تمكين رأس المال الأجنبي من الاستحواذ بأقل حصيلة دولارية على أصول الدولة المنتجة الواردة في "وثيقة أملاك الدولة" والتي تم تقديمها لصندوق النقد الدولي كضمانة للاستمرار في الأقتراض.
إلا أن صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية قد امتنعوا عن اقراض مصر إلا بشروط مجحفة وعلى رأسها المضي قدمًا في بيع أصول الدولة بالدولار الذي تعدت قيمته في السوق السوداء السبعون جنيهًا مما يجعل حصيلة بيع أي أصل من أصول الدولة المصرية الأن لا تتجاوز الـ 15% من قيمة هذا الأصل قبل التعويم على أحسن الفروض، وهو ما سوف يترتب عليه فوضى اقتصادية وتبعات معيشية شديدة الوطأة على الغالبية العظمي من المواطنين المصريين وهو ما يأمل معه الغرب إلى حدوث فوضي في الدولة المصرية تؤدي إلى تقويض أركان هذه الدولة التي فشل على يد شعبها مشروع الشرق الأوسط الجديد.