ومع صعوبة الإجابة على هذه الأسئلة، سأتناول اليوم فى هذا المقال ما أرى أنه من المؤكد أن ينفذه ترامب بالفعل فى إدارته الجديدة والآثار العميقة التى ستترتب عليه.
الشىء الأهم المؤكد فى تقديرى هو أن ترامب سيدخل فى مواجهة شاملة مع الاتحاد الأوروبى وستكون هذه المواجهة هى الهدف الأساسى لترامب وليس مواجهة الصين كما يتوقع البعض. فخلال الفترة الأولى، حاول ترامب على استحياء تنفيذ أجندة من يدين لهم بنجاحه السياسى؛ وهو اليمين المتطرف. مع العلم أن ترامب فى تقديرى ليس له مبادئ سياسية. هو رجل أعمال فى المقام الأول يميل للتبادل الذى يشبه المعاملات التجارية حتى فى السياسة ويطلق عليه Transactional. وقد وجد ضألته فى اليمين المتطرف وبالتالى سلك نهجه، وفى فترته الثانية سيطبق ما تعلمه فى فترته الأولى بغرض تنفيذ أجندة من يدين لهم بالنجاح وفى تعظيم استفادته شخصيا، وبالطبع فى الانتقام من خصومه السياسيين.
الأولوية الأولى لليمين المتطرف هى فرض أيديولوجيتهم على العالم وبالتالى ذلك يضعهم فى مواجهة مباشرة مع الأيديولوجية الليبرالية التى يقوم عليها الاتحاد الأوروبى. والسبيل الأمثل لفرض اليمين المتطرف على أوروبا هو خلق أزمة فى أوروبا على غرار أزمة اللاجئين والهجرة غير الشرعية. وللأسف فالخطة الأمثل لخلق مثل هذه الأزمة لابد أن تمر بالشرق الأوسط فهو عمق أوروبا. وبالتالى فأنا متوجس خيفة على منطقتنا وبلادنا من فترة ترامب الجديدة.
فى الوقت نفسه، سيواجه ترامب أوروبا مواجهة شديدة على مستوى أزمة المناخ فمن ناحية توقف الصرف على معايير حماية المناخ مرتفعة التكلفة هى من السبل القليلة المتاحة له لتوفير أموال فى الميزانية للصرف على وعوده باهظة التكلفة وفى نفس الوقت يرى اليمين أن الأدلة العلمية على مخاطر تدهور المناخ هى ضرب من العلم الزائف Pseudoscience.
فى نفس الوقت أتوقع وجود عدة زوايا أخرى للصراع مثل حرب أوكرانيا والمعاملة الجمركية والناتو وهناك احتمال كبير أن نرى خلافا واضحا بين الولايات المتحدة وأوروبا فى سياسة الشرق الأوسط للمرة الأولى منذ عقود طويلة للأسباب التى ذكرتها أعلاه. أما ما يعنيه ذلك اقتصاديا فالعالم بالتأكيد سيشهد شيئا من التراجع فى العولمة، ولكن من الوارد أن نرى أثرا عكسيا إذا فرض ترامب رسوما جمركية -كما وعد- على عدة بلاد. فقد يؤدى ذلك إلى تراجع أحادى للولايات المتحدة من العولمة، وبدلاً من التجارة مع الولايات المتحدة قد يستعيض العالم عن ذلك بزيادة التجارة مع الدول الأخرى لتعويض النقص. فإذا حدث ذلك فقد يكون ذلك بمثابة الضربة الأولى الحقيقية لوضع الولايات المتحدة كأهم اقتصاد وأهم عملة على عكس وعد ترامب الانتخابى بالحفاظ على الوضع الاستراتيجى للعملة الأمريكية.