تشهد مصر منذ ما يزيد عن عامين موجة متسارعة من الطروحات الحكومية لبيع حصص من شركات تابعة للدولة، سواء عبر البورصة أو لمستثمرين استراتيجيين، في خطوة تقول الحكومة إنها تستهدف من ورائها تخفيف العبء على الموازنة العامة، وضخ عملة أجنبية، وتوسيع دور القطاع الخاص في الاقتصاد.
البرنامج الذي انطلق فعليًا بطرح حصص في شركات مثل "وطنية"، و"صافي"، و"إيسترن كومباني"، و"المصرية للاتصالات"، يُعد جزءًا من خطة أكبر أعلنت عنها الدولة ضمن "وثيقة سياسة ملكية الدولة" التي تهدف لإعادة رسم خريطة الملكية العامة والخاصة في الاقتصاد المصري.
لكن هذا التوجه، ورغم منطقيته من الناحية الاقتصادية، لم يمر دون جدل واسع. فثمة تساؤلات مشروعة تطرح نفسها: هل ما يجري هو إعادة هيكلة اقتصادية فعلية؟ أم أنه مجرد استجابة سريعة لضغوط تمويلية؟ هل تذهب عوائد الطروحات إلى مشروعات تنموية مستدامة؟ أم تُستهلك في سداد ديون وأعباء قصيرة الأجل؟
المسألة لا تتعلق بفكرة "البيع" في حد ذاتها، بل بشفافية الإجراءات، وضمانات الحوكمة، والقدرة على تحقيق التوازن بين جذب الاستثمارات وحماية الأصول الوطنية. فطرح شركات رابحة، دون وضوح كافٍ حول مستقبل هذه الكيانات أو مصير العاملين بها، قد يُثير مخاوف حقيقية لدى الشارع، ويضعف الثقة في أهداف البرنامج.
من وجهة نظري، الطروحات الحكومية قد تكون أداة مفيدة إذا ما استُخدمت ضمن رؤية استراتيجية واضحة، لكن التعامل معها كحل سريع لأزمة مالية فقط، هو أمر بالغ الخطورة. الملف ده محتاج يُدار بحكمة أكبر، وبتوازن بين حاجة الدولة الملحّة للنقد الأجنبي، وبين ضرورة الحفاظ على أصولها الحيوية. مش كل ما نلاقي شركة ناجحة نعرضها للبيع. لازم نفكر: هل البديل الاستثماري أفضل؟ وهل البيع دلوقتي هو التوقيت الأمثل؟ وهل الشريك الاستراتيجي اللي بيشتري عنده رؤية طويلة الأجل ولا بيدور على مكسب سريع؟
الطروحات الحكومية ليست شرًا مطلقًا، ولا حلًا سحريًا في ذات الوقت. هي أداة من أدوات الإصلاح الاقتصادي، يمكن أن تساهم في دعم الاقتصاد إذا استُخدمت بحكمة، وفي إطار رؤية شاملة للتنمية. لكن استخدامها بشكل ارتجالي أو تحت ضغط الحاجة فقط، قد يحوّلها من فرصة إلى عبء جديد.
المطلوب الآن ليس إلغاء الطروحات، بل ترشيدها، وضمان أن تكون جزءًا من خطة وطنية متكاملة، تستهدف تقوية الاقتصاد لا تفريغه من أصوله.