الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر: فرصة ذهبية أم تحد مستمر؟

أخر تحديث 2025/06/30 03:00:00 م
الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر: فرصة ذهبية أم تحد مستمر؟

لطالما كان الاستثمار الأجنبي المباشر حجر الزاوية في خطط التنمية الاقتصادية التي تنتهجها الدولة المصرية، باعتباره من أهم أدوات تحفيز النمو، وتوفير فرص العمل، وزيادة الإنتاج المحلي، وتعزيز ميزان المدفوعات. وفي ظل ما يشهده العالم من تحولات اقتصادية متسارعة، تصبح المنافسة على جذب رؤوس الأموال الأجنبية أكثر شراسة، ما يضع مصر أمام اختبار حقيقي: هل نملك القدرة على أن نكون مركزًا جاذبًا للمستثمرين، أم أن التحديات ستظل تعرقل المسار؟

الحقيقة أن مصر تمتلك من المقومات ما يؤهلها لتكون واحدة من أهم الوجهات الاستثمارية في المنطقة، بدءًا من موقعها الجغرافي المتميز الذي يربط بين قارات العالم، ومرورًا بالسوق المحلي الكبير الذي يتجاوز 110 ملايين نسمة، وتوافر العمالة الشابة، وانتهاءً بالاتفاقيات التجارية الدولية التي تمنح المستثمرين المصريين فرص النفاذ إلى أسواق كبرى. كما لا يمكن إنكار الجهود الحكومية المبذولة على مدار السنوات الأخيرة في تحسين البيئة التشريعية، وطرح العديد من المشروعات الكبرى في قطاعات البنية التحتية والطاقة واللوجستيات.

ورغم هذا الزخم، فإن الطريق ما زال مليئًا بالعقبات التي تستوجب معالجة جذرية. فالتقلبات في سعر الصرف، وتحديات تحويل الأرباح للخارج، والبيروقراطية في التعاملات الحكومية، وعدم وضوح السياسات أحيانًا، كلها عوامل تشكل هواجس حقيقية لدى المستثمر الأجنبي. كما أن التوسع في تدخل بعض الجهات غير التابعة للقطاع الخاص في النشاط الاقتصادي قد يبعث برسائل سلبية حول عدالة المنافسة وشفافية السوق، وهو ما يتطلب إعادة النظر في دور الدولة بين منظم ومشارك.

من جهة أخرى، ما زال الاستثمار الأجنبي يتركّز في قطاعات بعينها مثل النفط والعقارات، بينما تظل القطاعات الحيوية الأخرى مثل التصنيع التكنولوجي والطاقة المتجددة والخدمات الرقمية أقل جذبًا رغم إمكاناتها الواعدة. هذا التوجه يدعو للتساؤل: هل نحن نسعى فقط لجذب رؤوس أموال بأي شكل، أم نبحث عن استثمار نوعي يضيف للاقتصاد المحلي من حيث التكنولوجيا والتشغيل والتصدير؟ فالمطلوب ليس فقط جذب الأموال، وإنما التأكد من أن هذه الأموال تخلق قيمة مضافة حقيقية، وتنقل المعرفة، وتتكامل مع سلاسل الإنتاج المحلية.

ولا يمكن الحديث عن جذب الاستثمار الأجنبي دون الإشارة إلى أهمية استقرار السياسات النقدية والمالية، وتوافر العملة الأجنبية، وحسم النزاعات الاستثمارية بسرعة وعدالة. فالمستثمر يبحث عن بيئة يمكن التنبؤ بها، خالية من المفاجآت، تضمن له تحقيق أرباحه ضمن مناخ تنافسي شفاف. ولهذا فإن الرهان الحقيقي هو على قدرة الدولة في ترسيخ قواعد المنافسة النزيهة، وتبسيط الإجراءات، وتقديم حوافز واقعية مدروسة وليست مجرد وعود.

قد يكون العامان الأخيران شهدا تحسنًا ملحوظًا في تدفقات الاستثمار الأجنبي إلى مصر، إلا أن هذا التحسن لا يزال دون الطموحات، ولا يعكس حجم السوق والفرص المتاحة. إذ لا يكفي أن نمتلك عناصر الجذب، بل يجب أن نعرف كيف نوظفها ونروّج لها بالشكل الصحيح. فالمستثمر الأجنبي اليوم بات أكثر وعيًا، ويقارن بين عشرات الوجهات قبل اتخاذ قراره النهائي، والاختيار في النهاية لا يكون لمن يملك الأرض فقط، بل لمن يهيئ بيئة العمل الأفضل.

في النهاية، الاستثمار الأجنبي المباشر لا يمكن التعامل معه كرقم في نشرة اقتصادية أو إنجاز حكومي ظرفي، بل هو عملية مستمرة تتطلب ثقة متبادلة بين الدولة والمستثمر، وإيمان بأن المكسب الحقيقي ليس فقط في الأموال الداخلة، بل في المشروعات التي تبقى، وتوظّف، وتُصدّر، وتبني مستقبلًا. وإذا كانت مصر قد نجحت نسبيًا في اجتذاب بعض الاستثمارات خلال السنوات الأخيرة، فإن التحدي الأكبر هو الاستدامة، وهو ما لن يتحقق إلا بإصلاح عميق وجاد، ينقلنا من خانة الفرص المهدرة إلى مصاف الدول الجاذبة بثقة واستقرار.

مقالات الرأى المتعلقة

السودان .. بين الحرب والذهب أخر تحديث 2023/05/08 08:59:00 ص
نادي باريس أخر تحديث 2023/06/04 08:39:00 ص
لماذا لن تتخلف مصر عن سداد ديونها أخر تحديث 2023/06/22 08:13:00 ص
الاقتصاد العالمي.. إلى أين؟ أخر تحديث 2023/08/06 08:39:00 ص
د. نرمين طاحون

محامية دولية، والمؤسس والشريك الإداري لمكتب طاحون للاستشارات القانونية. لأكثر من 25 عامًا، عملت طاحون كمحامية دولية لعدد من الشركات العالمية والمستثمرين، بالإضافة إلى الحكومة المصرية، وذلك قبل أن تؤسس مكتب طاحون للمحاماة عام 2009. شاركت في صياغة ووضع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مصر، وذلك خلال عملها مدير الشؤون القانونية لوحدة الشراكة بين القطاعين العام والخاص التابعة لوزارة المالية. كما حصلت على درجة الدكتوراه في التجارة الدولية والقانون التجاري من جامعة ميدلسكس بلندن.