آراب فاينانس: تعول الكثير من الدول على الاقتصاد الأزرق كمسار تنموي خاصة أن استراتيجيات تنفيذ الاقتصاد الأزرق تعد جزءًا من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة (SDGs)، حيث يشير الهدف رقم 14 "الحياة تحت الماء"، إلى الوقاية بشكل كبير والحد من التلوث البحري، وإدارة وحماية النظم الإيكولوجية البحرية والساحلية على نحو مستدام، وتقليل ومعالجة آثار تحمض المحيطات، والصيد الجائر، والحفاظ على المناطق الساحلية والبحرية، وزيادة المعرفة العلمية ونقل التقنيات البحرية المستدامة.
ووفق إحصائية صادرة عن البنك الدولي لعام 2024 فإن الصناعات الساحلية والبحرية تضخ 2.5 تريليون دولار سنوياً في الاقتصاد العالمي.
وتولي الدولة المصرية اهتماماً كبيراً بدعم مفهوم الاقتصاد الأزرق المُستدام، وذلك في إطار مواجهة تحديات تغير المناخ وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، من خلال الحفاظ على التنوع البيولوجي وخدمات النظم البيئية بها، ومكافحة التلوث البحري بشتى أنواعه، والحفاظ على التوازن البيئي في البحار والمحيطات والمناطق الساحلية؛ مما يحقق التوازن البيئي في هذه المناطق ويساهم في خفض الانبعاثات، فضلاً عن المساهمة في بناء اقتصادات مُنخفضة الكربون. كما تعكف الدولة المصرية على تعزيز جهود خفض الانبعاثات في قطاع النقل البحري، والتي تساهم في تنفيذ أهداف اتفاق باريس لتغير المناخ، وتحقيق التنمية المستدامة.
وتمتلك مصر أربعة آلاف كيلومتر شواطئ على البحرين الأحمر والمتوسط، وأهم ممر ملاحى (قناة السويس)، ونهر النيل، وتسع بحيرات، بالإضافة إلى 60 ميناءً كبيراً وصغيراً ومتخصصاً مما يجعلها فى مقدمة الدول التى يجب أن تعتمد على الاقتصاد الأزرق.
الدور التنموي للاقتصاد الأزرق
من جانبه قال الدكتور ممدوح رشوان، الخبير البيئي والأمين العام للاتحاد العربي للشباب والبيئة، إن الاقتصاد الأزرق، له دور محوري في التنمية الاقتصادية، حيث يعمل على تعزيز الصناعات البحرية مثل الصيد المستدام، والسياحة البحرية، والنقل البحري وتطوير التقنيات البحرية والطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الحرارية البحرية كما يعمل على تطوير التقنيات البحرية، والطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الحرارية البحرية.
وأضاف رشوان في تصريحات حصرية لـ آراب فاينانس أن الاقتصاد الأزرق يرتكز على عدة محاور أبرزها الاستدامة البيئية بهدف حماية النظم البيئية البحرية والحفاظ على التنوع البيولوجي فضلا عن تقليل التلوث البحري ومنع الاستغلال الجائر للموارد البحرية.
وأوضح رشوان أن الاقتصاد الأزرق يشدد على ضرورة وجود عدالة اجتماعية من خلال ضمان استفادة المجتمعات الساحلية من الأنشطة الاقتصادية البحرية وتحسين مستوى المعيشة وتوفير فرص العمل للسكان.
وألمح رشوان أن أبرز الأنشطة الاقتصادية للاقتصاد الأزرق تتمثل في الصيد المستدام من خلال تطبيق ممارسات صيد مسؤولة تضمن عدم استنزاف المخزون السمكي واستخدام تقنيات صيد تقلل من التأثير البيئي إضافة إلى السياحة البحرية عبر تعزيز السياحة البيئية والمستدامة وحماية الشعاب المرجانية والمناطق الطبيعية البحرية.
كما يعد نشاط الطاقة البحرية المتجددة وفق رشوان أحد أبرز أنشطة الاقتصاد الأزرق من خلال تطوير واستخدام الطاقة من الرياح البحرية والأمواج والتيارات البحرية والابتكار في تكنولوجيا الطاقة الحرارية البحرية فضلا عن البنية التحتية البحرية والتي يتم دعمها من خلال تحسين وتطوير الموانئ والخدمات اللوجستية البحرية، ودعم النقل البحري المستدام، وتقليل انبعاثات الكربون، وكذلك الحماية البحرية من خلال إنشاء مناطق بحرية محمية لحماية الأنواع البحرية والموائل وتنظيم الأنشطة البشرية في المناطق الساحلية والبحرية.
تحديات تواجه الاقتصاد الأزرق
وحول أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد الأزرق يوضح رشوان أنها تتمثل في التلوث البحري الناتج عن الأنشطة البشرية والصناعية والتغير المناخي وتأثيراته على النظم البيئية البحرية والاستغلال الجائر للموارد البحرية.
توازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة
وطالب رشوان بضرورة تعزيز الابتكار والتكنولوجيا في مجال الطاقة المتجددة وخلق فرص عمل جديدة في الصناعات البحرية المستدامة، وتحقيق توازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة لافتًا إلى أن الاقتصاد الأزرق يمثل نهجاً شاملاً لتحقيق تنمية مستدامة تجمع بين الفوائد الاقتصادية وحماية البيئة البحرية.
وأشار رشوان إلى أن الاتحاد العربي للشباب والبيئة ناقش خلال مؤتمره الأخير بالغردقة خلال شهر أغسطس الجاري أحد مشروعات السياحة البيئية التى تعتمد على الاقتصاد الازرق والذي يقع على أحد الجزر بالبحر الاحمر وهو مشروع أورانج باى حيث ركزت المناقشات على ضرورة الاهتمام بالسياحة البيئية من خلال تنظيم جولات غطس وسفاري بحرية مع احترام البيئة البحرية وعدم التسبب في أضرار للشعاب المرجانية أو الحياة البحرية مع تنظيم برامج تعليمية وتوعوية للسياح حول أهمية الحفاظ على البيئات البحرية فضلا عن التركيز على السياحة البحرية المستدامة وهي نوع من السياحة يهدف إلى تقليل التأثيرات البيئية السلبية على النظم البيئية البحرية، وتعزيز الفوائد الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات الساحلية حيث تعتمد السياحة البحرية المستدامة على ممارسات صديقة للبيئة تساهم في حماية البحار والمحيطات للأجيال القادمة.
كما ينبغي وفق الدكتور رشوان التطوير والاستثمار في الفنادق والمنتجعات البيئية التي تستخدم تقنيات صديقة للبيئة مثل الطاقة المتجددة، وأنظمة إدارة المياه الفعالة، وإعادة التدوير مع التركيز على النقل المستدام من خلال استخدام قوارب وسفن تعمل بالطاقة المتجددة أو ذات انبعاثات منخفضة لتقليل التلوث مع تشجيع استخدام وسائل النقل العامة أو الدراجات الهوائية في المناطق الساحلية.
الحفاظ على البيئة البحرية
وشدد رشوان على ضرورة الحفاظ على البيئة البحرية كأحد محاور الاقتصاد الأزرق من خلال إنشاء محميات بحرية وحدائق وطنية لحماية النظم البيئية الحساسة وتشجيع السياحة المستدامة، وكذلك تنظيم أنشطة تنظيف الشواطئ والمناطق الساحلية بمشاركة المجتمع المحلي والسياح فضلا عن ضرورة تطبيق القوانين البيئية وفرض وتنفيذ قوانين صارمة للحد من التلوث والتحكم في الأنشطة السياحية مع التوعية والتثقيف عبر تعزيز الوعي البيئي بين السياح والمجتمعات المحلية من خلال الحملات التعليمية والتوعوية وتشجيع الاستثمار المستدام عبر دعم وتشجيع الاستثمارات في مشاريع السياحة المستدامة والبنية التحتية الخضراء.
مصر غنية بأنشطة الاقتصاد الأزرق
ومن جانبه قال الدكتور محمود بكر الخبير البيئي، ورئيس مجلس إدارة جمعية كتاب البيئة والتنمية، وعضو لجنة الجغرافيا والبيئة بالمجلس الأعلى للثقافة إن ملايين البشر حول العالم يعتمدون على الصيد، والسياحة، والنقل البحري كمَصادر أساسية للدخل والغذاء، مشيرا الى أن مصر غنية بمساحات كبيرة سواء فى البحر المتوسط أو البحر الأحمر التى تتمتع بنشاط الاقتصاد الازرق، والذى يؤدى لنمو اقتصادى يعتمد على الموارد المائية المتاحة مع الحفاظ على هذا المورد، واصفًا الشعاب المرجانية في مصر بأنها ثروة ومورد وبالحفاظ عليها نضمن نمو الاقتصاد الازرق، بما يحققه من دخل سياحي كبير.
وأضاف بكر أن حجم الاقتصاد الازرق حول العالم وفق تقديرات البنك الدولي بلغ 2.5 تريليون دولار في عام 2024، والمخطط تحقيقه في 2030 يقدر بـ 3 تريليون دولار، والمفترض أن تتضاعف تلك القيمة 6 مرات خلال السنوات المقبلة، مؤكدا أن محميات البحر الأحمر بجزرها ورأس محمد في مصر تعد مصدر جذب لآلاف السياح حول العالم، وذلك لوجود أجمل الشعاب المرجانية النادرة فى العالم بها، الى جانب ضمها عدة مواقع غوص مهمة ومميزة وفريدة، مما جعلها مقصدا هاما وموقعاً مميزاً للغطس لأغلب السياح من جنسيات العالم .
وأوضح بكر، أن الشعاب المرجانية والذي يعد أهم نظام بيئي قد نفقد أجزاء منه سنوياً بسبب ارتفاع درجة الحرارة مما يحدث لها ابيضاض، حيث تأثرت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة بسبب تغيرات المناخ، فالشعاب المرجانية مسئولة عن توفير الغذاء للأسماك، وإذا فقدناها سنكون افتقدنا التنوع البيولوجي والثروة السمكية.
أهمية الشعاب المرجانية
وأشار الى أن وزارة البيئة بقيادة الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة تولى مسألة التنوع البيولوجى، والذى يؤثر على الاقتصاد الأزرق اهتماما كبيرا من حيث حمايتها أو دعم أنشطتها وبرامجها والدراسات الخاصة بها مثل منع الصيد الجائر، وبرامج رصد حالة الشعاب المرجانية، ورصد تعشيش السلاحف، وتنسيق الأنشطة المختلفة لحماية التنوع البيولوجي والثروة السمكية فى البحر الأحمر، وإطلاق الحملات الخاصة بسياحة المحميات البحرية واستثمارها بما لايضر بها وبمكوناتها... موضحا أن محميات البحر الأحمر تتمتع بشعاب مرجانية صلبة ولينة، وبها 250 نوعاً من الشعاب، وألف ومائة نوع من الأسماك، و43 نوعاً من أسماك القرش، بالإضافة الى نبات المانجروف وهو الوحيد فى مصر كما تقدر مساحة المتر المربع للشعاب المرجانية بقيمة 300 دولار، لذلك عند حدوث أى أضرار وتلف للشعاب تقدر قيمتها بناء على تقدير القيمة ب 300 دولار.
وكانت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، قد وقعت في ديسمبر الماضي إعلان نوايا انضمام جمهورية مصر العربية، لاتفاقية الشراكة الزرقاء التي تعزز الاستفادة من الفرص التمويلية لمشروعات الاقتصاد الأزرق، وذلك خلال فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ COP28 المنعقد بدولة الإمارات العربية المتحدة.
من الجدير بالذكر أن رؤية مصر 2030 تضمنت أن يكون البُعد البيئي محوراً أساسياً في كافة القطاعات التنموية بشكلٍ يحقق أمن الموارد الطبيعية، ويدعم عدالة استخدامها والاستغلال الأمثل لها والاستثمار فيها، وبما يضمن حقوق الأجيال القادمة، ويعمل على تنويع مصادر الإنتاج والأنشطة الاقتصادية، ويساهم في دعم التنافسية، وتوفير فرص عمل جديدة، وتخفيف حدة الفقر، ويحقق عدالة اجتماعية مع توفير بيئة نظيفة وصحية وآمنة لكل مواطن المصري ومواطنة مصرية. كما أن الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050، ستمكّن مصر من تخطيط وإدارة تغير المناخ على مستويات مختلفة، ودعم تحقيق غايات التنمية المستدامة وأهداف رؤية مصر 2030 باتباع نهج مرن ومنخفض الانبعاثات، من خلال التصدي بفاعلية لآثار وتداعيات تغير المناخ بما يساهم في تحسين جودة الحياة، وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام، والحفاظ على الموارد الطبيعية والنظم البيئية، مع تعزيز ريادة مصر على الصعيد الدولي في مجال تغير المناخ.
تجدر الإشارة إلى أن مفهوم الاقتصاد الأزرق قدمه لأول مرة الاقتصادى البلجيكى جونتر باولى عقب مؤتمر ريو 20+ عام 2012، والمقصود به الإدارة الجيدة للموارد المائية والاعتماد على البحار والمحيطات فى التنمية المستدامة، مع ضمان احترام البيئة والقيم الثقافية والتنوع البيولوجي، كما يشمل توليد الكهرباء من طاقة المياه، وأنشطة التعدين فى البحار والمحيطات، والسياحة البحرية وصيد الأسماك والكائنات البحرية، واستخراج المواد الخام من البحار، وغير ذلك من الأهداف السبعة عشر لخطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030.