آراب فاينانس: طالب خبراء في العمارة والآثار والتصميم العمراني، بضرورة وضع مخطط شامل وموحد لتطوير كل مناطق القاهرة الخديوية بوسط القاهرة، ومناطق القاهرة الفاطمية بما يضمن خصوصية كل منطقة مع توحيد الجهات المختصة في كيان واحد يكون مسئولًا عن التطوير نظرًا لمنع تضارب الاختصاصات بين الجهات الحكومية.
وأكد الخبراء، أن كل من القاهرة الخديوية والقاهرة الفاطمية مليئة بفرص استثمارية عديدة ويمكن أن تكون مناطق جاذبة للعديد من السائحين حول العالم لما تتمتع به من خصوصية ثقافية وتراثية.
وكان الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء قد أعلن عن تلقي الحكومة طلبات كثيرة لاستغلال المباني الحكومية التي تقع في منطقة مربع الوزارات، مُشيرًا إلى أن الدولة ستطرح هذه المباني بما يحقق رؤيتها التخطيطية للاستفادة من هذه المنطقة التاريخية الاستغلال الأمثل لها.
وأوضح المهندس شريف الشربيني، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، أن هذه الرؤية الاستثمارية تشمل استغلال مُربع الوزارات في المرحلة الأولى ومنطقة القاهرة الخديوية في المرحلة الثانية.
ووفق بيان مجلس الوزراء سيكون هناك عدة خطوات سيتم اتخاذها لتطوير وتحديث منطقة وسط البلد، والتي تشمل مناطق شارع رمسيس والجلاء، والأزبكية وعماد الدين، وشامبليون ومعروف، وقصر النيل، وعابدين، والبستان، وباب اللوق، وميدان التحرير.
وحسب بيان رسمي لوزارة التخطيط فإن الدولة تبحث أفضل السبل لاستغلال أصول الدولة غير المستغلة، ومنها على سبيل المثال (مبنى مجمع التحرير – أرض مبنى الحزب الوطني) بميدان التحرير، وذلك طبقاً للاحتياجات الفعلية، وفى إطار الدراسة الأشمل للمكان المحيط، وبما يحقق أعلى عائد للدولة.
ومن جانبها قالت الدكتورة رانيا ممتاز، استشاري تطبيقات الليزر بجامعة القاهرة وأستاذ الآثار الجزيئية وصيانة التراث وإدارته بجامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والآداب في تصريحات حصرية لـ آراب فاينانس إن تطوير القاهرة الخديوية يحتاج إلى رؤية متكاملة تستند إلى الحفاظ على الطابع التاريخي مع تحديث البنية التحتية والخدمات، وتحويلها إلى منطقة جذب ثقافي وسياحي وتجاري أكثر حيوية.
مقترحات لتطوير القاهرة الخديوية
وشددت ممتاز، على أن هناك الكثير من المقترحات لتطوير القاهرة الخديوية، ومناطق وسط القاهرة، وتشمل ضرورة إعادة تأهيل المباني التراثية من خلال ترميم العمارات القديمة مع الحفاظ على زخارفها الأصلية، وتحويل بعضها إلى مراكز ثقافية، وفنادق بوتيك، ومساحات إبداعية للشباب لإقامة معارض بتكاليف رمزيه لشباب المبدعين وورش عمل لمختلف المجالات الإبداعية الجاذبة للشباب حيث تمثل تلك المراكز حاضنات ابداعية للشباب .
وأوضحت ممتاز أن من أهم سبل وسياسات استغلال تلك المنطقة هو ضرورة تحسين الفراغات العامة من خلال تطوير الميادين مثل ميدان التحرير، وعابدين، وطلعت حرب، وجعلها صديقة للمشاة، مع إضافة مساحات خضراء ممتدة وإضاءة مناسبة حيث يتم تصميم الإضاءات بواسطة مختصين علميا مع الأخذ في الاعتبار حتى مستويات الضوضاء والصخب المناسبة للحفاظ على المباني والوحدات الاثرية والتراثية.
وأكدت ممتاز، على ضرورة تعزيز الأنشطة الثقافية والتجارية عبر تحويل أغلب الشوارع إلى مناطق مشاة تحتوي على معارض فنية مفتوحة، وأسواق للحرف التقليدية، ومقاهٍي ثقافية تقام فيها ندوات يحضرها مشاهير العالم العربي والخارجي بغرض خلق حوار ثقاقي بين الثقافات المختلفة وحراك فني إبداعي بين الشباب مع تحسين المرافق الحديثة من خلال إدخال وسائل نقل نظيفة مثل الحافلات الكهربائية والترام التاريخي، وإنشاء مواقف تحت الأرض لتقليل الازدحام.
وطالبت ممتاز بـ إعادة إحياء شارع عماد الدين كمركز للفنون والمسرح، واستعادة دوره كمكان للحياة الثقافية في مصر و مراكز تدريب على الفنون المسرحية والفنون الشعبية بمختلف ألوانها والتي تتنوع في كل محافظة من محافظات مصر الغنية وتنظيم المهرجانات الثقافية والعروض المفتوحة على غرار مانراة في المدن الأوروبية.
وحول إمكانية دمج مخطط تطوير القاهرة الفاطمية والقاهرة الخديوية معًا قالت ممتاز إنه نظريًا، يمكن وضع مخطط مشترك لتطوير المنطقتين مع احترام خصوصية كل منهما، حيث تمثل القاهرة الفاطمية الطابع الإسلامي والتراثي القديم، بينما تعكس القاهرة الخديوية الحداثة المعمارية الأوروبية في مصر الحديثة.
وحول مزايا الدمج في مخطط واحد تشير ممتاز إلى أن أبرز المزايا هى ربط التراث الإسلامي بالتراث الحديث في سياق سياحي متكامل، حيث يمكن للسائح أو الزائر الانتقال بسلاسة بين الأزمنة من العصور الوسطى إلى العصر الحديث ويتم عمل مخطط لمسار الزائرين عبر تسلسلي زمني مع تكامل البنية التحتية والمرافق بحيث يكون هناك استثمار مشترك في النقل العام، وتحسين الطرق، وتجهيز المناطق بالخدمات الذكية.
مزايا دمج مخطط القاهرة الخديوية بالقاهرة الفاطمية
كما تعد من أبرز مزايا هذا الدمج أنه سيمكن مصر من تنظيم السياحة بشكل يجعل من القاهرة مركزًا حضاريًا واحدًا يشمل مناطق متعددة ذات طابع متجانس، بدلًا من التعامل مع كل منطقة بشكل منفصل فضلًا عن التنمية الاقتصادية والاستثمارية حيث يمكن جذب مستثمرين لمشاريع تمتد عبر المنطقتين، مما يعزز القيمة المضافة لكلا المنطقتين.
وأوضحت ممتاز، أنه من أبرز التحديات التي تواجه هذا المخطط هو الاختلاف في طبيعة المباني والبنية التحتية، حيث تحتاج القاهرة الفاطمية إلى منهج محافظ على الهوية الإسلامية التاريخية، بينما تحتاج القاهرة الخديوية إلى منهج يعيد إحياء الطراز الأوروبي بطريقة حديثة.
وتشير ممتاز، إلى أن مخطط الدمج يواجه تحدي التكاليف الضخمة، حيث يتطلب تنفيذ مخطط موحد ميزانيات هائلة لكن المشكلة لا تنحصر في الموارد المادية حيث يمكن توفيرها بعدة طرق لكن تكمن المشكلة في عملية التنسبق حيث تتطلب تنسيقًا بين جهات متعددة، وهو ما قد يكون معقدًا إداريًا.
كما يوجد أيضا بعض التحديات الاجتماعية والثقافية، وفق الدكتورة رانيا ممتاز حيث تعاني بعض مناطق القاهرة الفاطمية من العشوائيات، مما يستلزم حلولًا اجتماعية قبل تنفيذ التطوير لافتة إلى أنه لا تطوير إلا بالتطوير البشري فيجب وضع خطة مسبقة لعملية التطوير الاجتماعي لسكان المناطق الحاليين والحفاظ على دور فعال لهم مشمول ضمن خطة التطوير وإشراك أفراد المجتمع في عملية إعادة تأهيل تلك المناطق الأمر الذي يضمن استمرارية التطوير وعدم توقفه وفشله في أي مرحلة زمنية مستقبلا.
وأخيرًا تشير ممتاز إلى الحاجة إلى قوانين تنظيمية مرنة تحافظ على الهوية التراثية لكل منطقة، دون فرض قواعد موحدة قد تضر بأي من الطرفين مع وضع رؤية استراتيجية موحدة تشمل المنطقتين تحت إطار "إحياء القاهرة التاريخية"، ولكن مع مخططات تفصيلية منفصلة لكل منطقة تحترم خصوصيتها، مع وجود روابط قوية في وسائل النقل، والتخطيط السياحي، والتسويق الثقافي ليصبح التخطيط لما انادي به ما يسمى بالمدن التراثية المستدامة أمرًا يمكن تطبيقه والحفاظ عليه للأجيال القادمة.
ضرورة استغلال الحرف التراثية
ومن جانبه يرى الدكتور جلال عبادة، أستاذ العمارة والتصميم العمراني بكلية الهندسة جامعة عين شمس، أن هناك الكثير من المشروعات التي يمكن استغلالها في منطقة القاهرة الفاطمية كماطق جذب سياحي مثل منطقة الحاكم بأمر الله، وباب زويلة ودرب اللبانة بجانب منطقة مجرى العيون.
وأوضح عبادة، أن مشكلة تطوير القاهرة أنه لا يوجد مخطط شامل للتنمية السياحية بها منوهًا بأنه كان هناك مخطط بالتعاون مع منظمة اليونسكو للتطوير لكنه توقف في عام 2016 ولم يكتمل مشيرًا إلى أن القاهرة تحتاج لكثير من التطوير حيث ينقصها الكثير من الفنادق السياحية حيث لا يتجاوز عدد الفنادق بالقاهرة 30 فندقًا بينما نجد مدينة مراكش المغربية بها 139 فندقًا سياحيًا ويزورها نحو 30 مليون سائح سنويًا بما يساهم في زيادة الدخل القومي لديهم حيث تهتم المغرب بالحرف التراثية والإبداعية والتي تساهم بنحو 9% من الدخل القومي هناك نتيجة تصديرها للخارج ويمكن لمصر الاستفادة من التجربة المغربية حيث يمكن استغلال الحرف التراثية وإحيائها بعد أن اقتربت على الاندثار خاصة في مناطق القاهرة الفاطمية.
وأوضح أستاذ العمارة والتصميم العمراني بجامعة عين شمس، أن القاهرة التاريخية تحتاج إلى إدارة موحدة لإدارتها حيث هناك أكثر من جهة تدير هذه المنطقة، وهو ما يؤدي لتضارب الاختصاصات حيث هناك نحو 7 وزارات تختص بإدارتها منها وزارة قطاع الأعمال العام ووزارة الإسكان ووزارة السياحة ومحافظة القاهرة فضلا عن الصندوق السيادي.
وطالب عبادة، بضرورة اعتراف الدولة بالحرف التراثية كمورد اقتصادي يمكن استغلاله والترويج له مع ضرورة إنشاء كيانات تعبر عن الهوية المصرية مثل المطاعم والمأكولات المصرية التي قد تجذب السائحين عند زيارتهم لمصر حيث هناك نقص كبير في هذا الجانب إذ يمكن مثلًا إنشاء المطعم المملوكي والمطبخ العثماني بالقاهرة الفاطمية فضلا عن المطعم المصري على سبيل المثال لتعبر عن هوية المنطقة وطبيعتها مما يؤدي إلى مزيد من الجذب السياحي لافتًا إلى أنه لا يوجد في مصر مخطط واضح حتى الآن لاستغلال المعالم السياحية بالقاهرة التاريخية التي تعد كنز كبير غير مستغل.
وأوضح عبادة، أنه من الضروري الحفاظ على الحرف التراثية، ودعم أصحابها خاصة مع اقتراب اندثارها حيث نجد أن الهدايا التذكارية التي تباع في منطقة خان الخليلي بالقاهرة الفاطمية مستوردة من الصين مثل التماثيل والهدايا والتذكارات التي يأتي لشرائها السائحين، ولم يعد سوى المنسوجات المصرية التي تباع هناك، وهو ما يتطلب إعادة إحياء هذه الحرف التراثية التي تعبر عن هوية المكان للاستفادة منها اقتصاديًا.