آراب فاينانس: يعد محسن سرحان، الرئيس التنفيذي لـ بنك الطعام المصري أحد قيادات العمل التنموي في مصر، كما يعد بنك الطعام ذاته أحد أكبر الكيانات الأهلية التي تعمل في قطاعات حيوية مثل التعليم والتمكين الاقتصادي وتوفير الغذاء لغير القادرين فضلا عن دعم المزارعين في الريف.
آراب فاينانس التقى محسن سرحان، الرئيس التنفيذي لبنك الطعام المصري في مقابلة حصرية حيث كشف عن أهم البرامج التي يخطط البنك لتنفيذها خلال المرحلة المقبلة، فضلا عن مناقشة ماهية، وفلسفة العمل في بنك الطعام، ودوره في حماية بعض الفئات مثل الأطفال من أمراض سوء التغذية والتقزم كما كشف عن عدد المستفيدين من برامج بنك الطعام في مصر، وإلى نص الحوار:
في البداية حدثنا عن نشاط بنك الطعام المصري خلال الفترة الحالية في شهر رمضان؟
بنك الطعام المصري، هو مؤسسة معنية بالأمن الغذائي في مصر، وبالطبع نحن عندما نتحدث عن الأمن الغذائي، فهذا يعني أننا نعمل وفق ذات الإطار الذي تعمل عليه منظمة الأمم المتحدة في مجال التنمية المستدامة، للقضاء على الجوع حيث نعمل على ثلاثة محاور رئيسية بالاتساق مع نفس الخطة الأممية المستهدفة في العالم كله.
ويعد أول هدف لنا هو توفير الأمن الغذائي، للفئات غير القادرة على الكسب، حيث يعطي بنك الطعام مساعدات غذائية مباشرة إما عن طريق عبوات غذائية مغلفة أو من خلال مشروعنا الجديد الذي بدأنا فيه من خلال افتتاح 220 منفذ وسوبر ماركت تابع لبنك الطعام المصري منتشرين في جميع المحافظات المصرية، حيث نرسل للمستفيدين أكواد إلكترونية يمكنهم من خلالها التسوق كما يرغبون في هذه المنافذ، وهو ما يعطي لهم قدر كبير من الكرامة بدلًا من الحصول على كرتونة وحملها.
أما برنامج المساعدات الغذائية المباشرة للأسر غير القادرة على الكسب مسجل به نحو 100 ألف أسرة أي حوالي 600 ألف مواطن يتم مساعدتهم بشكل شهري.
وفيما يتعلق بالمحور الثاني، من عملنا فهو محور العناية بالأم والطفل حيث نتدخل عبر ثلاثة نقاط أساسية منذ حمل الأم حيث لدينا برنامج لمكافحة التقزم لدى الأطفال، وقضية التقزم تعد من القضايا الحساسة جدًا، وأحد القضايا القومية التي تمس حوالي 20% من أطفال مصر حيث يهددهم التقزم، ويسرق طموحهم، وهم مازالوا في بطون أمهاتهم، ونتدخل عبر برنامج مكافحة التقزم من خلال توعية السيدات بأساليب التغذية السليمة خلال فترة الحمل التي تصل لنحو ثلاثة فترات كل فترة لها طبيعتها من حيث طبيعة التغذية في كل فترة من فترات الحمل، ونتابع معها التغذية خلال فترة الحمل وبعد قدوم الطفل نتابع مع الأم الحالة التغذوية للطفل حتى وصوله لعمر عامين، ونغير أنماط التغذية وفق احتياجات كل مرحلة عمرية سواء في فترة الرضاعة الطبيعية أو بعدها كما نتأكد من قيامها بإجراء التحاليل، والفحوصات الطبية اللازمة ولدينا نجاحات كبيرة في هذا المشروع الذي يسمى مشروع الألف يوم.
ما البرامج الأخرى الخاصة بالأطفال بعد وصول الطفل لعمر عامين؟
نحن نتدخل بعد تلك المرحلة من خلال الحضانات الأهلية التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، حيث لدينا برنامج لتغذية أطفال الحضانات، ويليه برنامج للتغذية المدرسية في المدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم حيث نعمل على تغذية 70 ألف طفل يوميًا نقدم لهم 70 ألف وجبة، وهذا البرنامج نعمل عليه منذ 10 سنوات، ويعد هذا البرنامج من أقوى برامجنا في بنك الطعام المصري إذ نوفر لأجيال قادمة الحد الأدنى من التغذية الذي يجعلهم أفضل دراسيًا فيكونوا قادرين على الفهم، والاستيعاب الدراسي فيستطيعوا بعد ذلك دخول سوق العمل والمنافسة فيه وكسر حلقة الفقر التي يعيشونها.
لدينا آيضًا برنامج ثالث، وهو من أهم المحاور المستحدثة ببنك الطعام المصري، وهو محور التمكين حيث نعمل حاليًا مع الآلاف من صغار المزارعين وصغار المنتجين حيث ندخلهم معنا ضمن سلاسل الإمداد، وبدلًا من الشراء من القطاع الخاص نقوم بشراء منتجاتهم الزراعية حيث نقدم لهم الدعم الفني، والإرشاد الزراعي، وطرق الرى الحديث ومكافحة الآفات الزراعية ثم نشتري منهم المحصول بعد ذلك.
أما فيما يتعلق بشهر رمضان تحديدًا فنحن نقوم بما نقوم به خلال العام كله لكن بشكل ونطاق أوسع بكثير حيث يكافئ العمل في شهر رمضان ما نعمل فيه خلال عام كامل فمثلًا لو أننا نقدم 100 ألف مساعدة غذائية مباشرة شهريًا فخلال رمضان نوزع مليون مساعدة غذائية حيث يكون العمل مكثف خلال شهر رمضان الكريم وهذا بالطبع كنتيجة استجابة طبيعية من المصريين لتقديم زكاتهم خلال شهر رمضان.
كيف ترى فلسفة بنك الطعام المصري في مجال التنمية المجتمعية؟
نحن مقتنعين تمامًا، بأن الغذاء، هو أساس كل شئ، حيث لا نعتبر قضية الأمن الغذائي هي إشباع الجوع فقط بينما نرى على سبيل المثال أن السيدة التي ترعى أطفال إن لم تحصل على الحد الأدنى للتغذية فهذا يؤدي إلى عدم الاهتمام بصحتها أو تعليمها أو تعليم أطفالها أو حتى رعايتهم، وتربيتهم أخلاقيًا، لأنها في النهاية ما يشغل بالها هو كيفية تغذية أطفالها، وبالتالي فإننا إن لم نغلق هذه الحلقة وإعطاء الشعور بالإطمئنان لتوفير الحد الأدنى من الغذاء، فمن المستحيل أن نطلب من هؤلاء أي نوع من أنواع التنمية، وهكذا باقي فئات المجتمع فالطفل الذي لا يتوفر له الحد الأدنى من الغذاء لن يستوعب الدروس المقدمة له، ولن يكون لديه الحد الأدنى من التحصيل الدراسي، وهذا يتلق أيضا بالقدرة على العمل والإنتاج إذ إن الشخص الذي لا يحصل على الحد الأدنى من التغذية لن يكون منتجًا في سوق العمل وبالتالي نحن مقتنعين أن توفير الغذاء هو القاعدة الأساسية لأي نوع آخر من أنواع التنمية، ونحن نتدخل هنا وفق الإطار المتفق عليه عالميًا حيث إننا نقدم الغذاء لغير القادرين على العمل، بينما القادرين على العمل ندخلهم ضمن سلاسل الإمداد ونشتري منهم منتجاتهم لتوفير دخل ثابت ومستقر لهم.
هل هناك اهتمام بنوع الغذاء المقدم للمستفيدين بحيث يكون غذاءً صحيًا؟
نعم بالطبع، فنحن لدينا في بنك الطعام المصري قطاع كامل اسمه معامل بنك الطعام، ولدينا معمل للدراسات التغذوية ويقوده خبراء، وكفاءات علمية في مجال التغذية مثل الدكتور محمد الكرماني، وهو حاصل على دكتوراة في سياسات الغذاء من الولايات المتحدة الأمريكية وجاء لمصر ليعمل معنا في هذا المجال، وفي هذا القطاع نحن نركز على الاحتياجات الغذائية لكل مرحلة عمرية والتركيبة الغذائية المناسبة لكل عمر سواء من السعرات الحرارية الكلية مثل النشويات والدهون والبروتينات أو الجزئية والدقيقة مثل المعادن والفيتامينات التي تقدم للأطفال بحيث يكونوا قادرين على الاستيعاب الدراسي، وعلى سبيل المثال لدينا برنامج التغذية المدرسية والذي نقدم من خلاله وجبة ساخنة مطهية للأطفال.
وهناك جزء غذائي ابتكرناه حديثًا يتعلق بمنتج غذائي مغلف مكون من الحبة الكاملة ومعزز بحزمة من الفيتامينات والمعادن يقدم للطفل كل احتياجاته اليومية في شكل عبوة واحدة ونتائج هذا المنتج جيدة جدًا، ونمد حاليًا 40 ألف طفل بهذا المنتج الغذائي، بالإضافة لـ 30 ألف طفل نقدم لهم وجبات ساخنة مطهية من لحوم وأرز وخضروات وفاكهة إذ يكون لدينا في المدارس التي نقدم من خلالها هذه الخدمة مطبخ وقاعة طعام لتقديم التغذية للأطفال فضلا عن مدهم بالتوعية الصحية اللازمة، وقد تحدثنا مع محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم الأسبوع الماضي عن هذا البرنامج الحيوي وطرق التوسع في برامج التغذية المدرسية في مصر من خلال بنك الطعام.
ما هى أهم البرامج التي ستركزون عليها خلال الفترة المقبلة؟
نحن نركز حاليًا على التوسع في محور التمكين، وهى الطريقة التي يمكن من خلالها آلاف من فرص العمل حيث افتتحنا مؤخرًا بمحافظة الوادي الجديد عدة مزارع سمكية حيث لم تكن تصل لهم الأنواع السمكية بسهولة، نظرًا لبعد المسافة، وتصل لهم بأسعار مرتفعة لذلك قمنا بافتتاح عدد من المزارع السمكية هناك ووفرنا فرص عمل لعشرات الأشخاص كما استطعنا توفير الأسماك بأسعار مناسبة جدًا وهو ما أتاح الأمن الغذائي بشكل أكبر كما لدينا مزرعة كبيرة بمحافظة المنيا لزراعة التمور وهى من المزارع التي يمكن أن نستخدمها في منتجاتنا التي نقدمها للأطفال كما نفكر في بيع هذه التمور بأسعار منخفضة للسوق المحلي، والعائد منها يستخدم في دعم برامج الزكاة لبنك الطعام المصري مثل التغذية الشهرية لغير القادرين على العمل.
هل هناك تعاون مع منظمة الأغذية والزراعة "فاو" كأحد المنظمات الدولية المهتمة بمجالي الزراعة والغذاء؟
لدينا تاريخ طويل من التعاون مع منظمة "فاو" حيث وكلت منظمة فاو بنك الطعام المصري لقيادة مباحثات المجتمع المدني منذ نحو 6 شهور حيث استضفنا جميع الجمعيات الأهلية المتشابهة لعملنا في مجال الأمن الغذائي بالمنطقة العربية بالكامل وخرجت الاجتماعات بورقة عمل مشتركة قدمتها بالنيابة عن جمعيات الوطن العربي في مؤتمر منظمة فاو السنوي بالأردن، كما نتعاون معهم في مجال الدعم الفني لصغار المزارعين.
كيف ترى تأثير ارتفاع مستويات الفقر على التنمية في مصر؟
ارتفاع مستويات الفقر في مصر يضع ضغوط على الدولة لأن الدولة هى المعني الأول بتوفير الحماية الاجتماعية للطبقات الأقل حظًا، وأنا أرى أن الحل الوحيد لمواجهة الفقر، هو توفير الكثير من فرص العمل خاصة في المناطق الريفية، ونحن كمؤسسة بنك الطعام المصري تشتري منتجات غذائية بأكثر من 2 مليار جنيه سنويًا وحاليًا لدينا توجه خلال الفترة المقبلة بالبدء في شراء نحو 70% من هذه القيمة من مزارعين ومنتجين صغيرين وهو ما يمكن من القضاء على الفقر وهو نموذج يمكن تطبيقه في جميع الجمعيات فبدلًا من الشراء من القطاع الخاص نشتري من الفقراء مباشرة.
كم يبلغ حجم الإنفاق الخيري في مصر؟
أتوقع أن حجم الإنفاق الخيري في مصر لن يقل عن 20 مليار جنيه على مستوى الجمعيات الخيرية حيث يوجد في مصر نحو 35 ألف جمعية خيرية وهذا المبلغ يتعلق في القطاع المنظم الخاص بالجمعيات الخيرية لكن أتوقع أن تكون المساعدات الخيرية غير المنظمة 10 أضعاف هذا المبلغ، وأرى أنه لا يجب ألا يقل الإنفاق الخيري في مصر عن 200 مليار جنيه، والأمر هناك لا يتعلق بقلة الموارد بقدر ما هو ضعف في كفاءة توزيع الموارد وليس في قلتها.
ونحن نأمل أنه كلما زادت ثقة المجتمع المصري في القطاع الخيري المنظم في مؤسسات مثل بنك الطعام سيكون هناك كفاءة في توزيع الموارد بين من يملكون المال ومن لا يملكونه.
كيف يمكن الموازنة بين العمل الخيري والتنموي في مصر؟
العمل التنموي والخيري، هما سلسلة تكمل كل منهما الآخر لكن في ذات الوقت هناك فئات من المجتمع لن ينفع معها أي تدخلات تنموية، ومن الضروري البقاء على دعمها بشكل خيري للأبد مثل المعاقين أو كبار السن بينما هناك من يمكن أن ندمجهم في أعمال تنموية وهو ما نقوم به في بنك الطعام، ونحن نتعاون حاليًا مع وزارة التنمية المحلية للبدء في بعض المحافظات واستغلال التكتلات الصناعية في تدشين وحدات إنتاجية في قطاعات مختلفة كما نعمل بشكل عام في 27 محافظة على مستوى الجمهورية في 2500 قرية من 4500 قرية على مستوى الجمهورية.
كيف تعملون على الاستدامة عبر مشروعات تنموية تابعة لبنك الطعام؟
نحن لدينا مزرعة للألبان في محافظة البحيرة قوامها 3 آلاف رأس من أفضل مزارع الألبان في العالم، وهى بالفعل تدر دخلًا واستدامة لأنشطة بنك الطعام لأننا نستغل أرباحها في أنشطة بنك الطعام المصري كما لدينا مزرعة لتسمين العجول بالمنيا لكن في النهاية سيظل العامل الأساسي في استدامة أنشطة بنك الطعام المصري هى ثقة المجتمع المصري واقتناع مئات الآلاف من المصريين بقضيتنا.
كيف ترى دور رجال الأعمال في دعم العمل الخيري؟
القطاع الخاص في مصر له نشاط كبير في دعم العمل الخيري، والقطاع الخاص لا يمكن له أن يزدهر وهناك ارتفاع في معدلات الفقر في المجتمع ومن مصلحة القطاع الخاص أن يزدهر المجتمع كي يستطيع الأفراد شراء منتجاته.
ما آلية العمل لتوزيع المنتجات الغذائية لبنك الطعام؟
نحن نعمل حاليًا، ومنذ هذا العام بتعبئة الأغذية بشكل لا مركزي حيث إنه تاريخيًا كانت التعبئة تحدث بالمقر الرئيسي لـ بنك الطعام المصري بالقاهرة بينما حاليا نقوم بالتعبئة بالمحافظات كما نعمل مع السيدات الريفيات نعطي لهم كتاكيت يقمن بتربيتها ثم نشتريها منهن بعد ذلك كدواجن وهو ما يسمى بآليات العمل الشمولي، وهو من أكفأ الطرق لـ محاربة الفقر في بلادنا.
كيف تقيسوا أثر عملكم؟
نعمل على قياس الأثر من خلال دراسة تأثير عملنا على الفئات المستحقة بعد حصولها على الدعم ونحن ننشر ميزانيتنا وكافة أنشطتنا بكل شفافية على موقعنا الإلكتروني.
ما رأيك في استغلال بعض الجمعيات للأطفال في الدعايا والإعلانات؟
نحن لدينا سياسة صارمة بعدم نشر صور المستحقين لدينا إلا في حالة تسليم الموارد الغذائية نسلمهم لكن دون ظهور الوجه ونحن نولد صور بالذكاء الاصطناعي في الإعلانات خاصة للأطفال، وذلك للحفاظ على كرامة المستحقين.
ما حجم الدعم الذي تم تقديمه لقطاع غزة الفترة الماضية؟
لقد ظللت 20 يوم على معبر رفح للتأكد من دخول المساعدات لقطاع غزة، وخلال العام ونصف الماضيين وصل إجمالي عدد الشاحنات لـ 677 بإجمالي 15,420 طنًا من المواد الأساسية لسكان غزة، والشعب المصري لديه رغبة كبيرة في مساعدة أهل غزة، ولنا دور كبير في مساعدة الفلسطينين المقيمين في مصر أيضًا للعلاج حيث لدينا مطابخ في شمال سيناء ونوفر لهم الغذاء بشكل يومي. كما نقدم دعم غذائي للأشقاء المقيمين في مصر من السودانيين ولدينا إدارة لشئون الإغاثة والوافدين وبخلاف الأزمات وتاريخيا نعمل على الدعم الغذائي للطلاب الوافدين من أفريقيا وشرق أسيا للتعلم بالأزهر.