آراب فاينانس: تحظى السياحة البيئية حاليًا بتوجه عالمي خاصة مع تنامي الاهتمام بقضايا البيئة والتنمية المستدامة، وعلى المستوى المحلي في مصر تنتشر المحميات الطبيعية المتنوعة عبر أراضيها، وتمثل الأساس الذي تقوم عليها السياحة البيئية كما أن مصر زاخرة أيضًا بتنوع كبير في الأنشطة المتاحة للسائحين حيث هناك الصحارى الممتدة والمسطحات المائية المتنوعة والتاريخ الطبيعي والتنوع البيولوجي، وكل هذا يمنح مصر فرصًا واعدة ويوفر للسائح المهتم تجارب وبيئات مختلفة نادرًا ما تتوافر بهذا التنوع في أي بلد آخر.
سياحة المحميات الطبيعية مصدر مهم للدخل
ومن جانبها قالت الدكتورة وفاء عامر رئيس قطاع حماية الطبيعة بوزارة البيئة سابقًا وعضو الاتحاد الدولي لصون الطبيعة في تصريحات حصرية لـ آراب فاينانس إن المحميات الطبيعية تعتبر هي الوسيلة الفعالة والهامة لحماية التنوع البيولوجي، ومصدر مهم للدخل من خلال السياحة البيئية حيث تدر السياحة البيئية الشاطئية بمحميات البحر الأحمر 65% من إجمالي دخل السياحة في مصر، ولذا وجب الاهتمام بالمحميات الطبيعية وتقييم خدماتها دعما لإدارتها إدارة اقتصادية مستدامة تسهم في رفع العبء عن ميزانية الدولة وتوفر دخل لتنميتها وصون عناصرها مشيرة إلى أن عدد المحميات الطبيعية المعلنة فى مصر وصل إلى 30 محمية تغطي مساحة أكثر من 146000 كم² أي نسبة 14.6% من المساحة الإجمالية للدولة.
وأوضحت عامر أن المحميات الطبيعية تختلف من حيث الحجم من المساحة الأكبر فى محمية الجلف الكبير على مساحة 48.500 كم² إلى المحمية الأصغر مساحة وهى محمية سالوجا وغزال على مساحة 0.5 كم² ، هذا بالإضافة إلي وجود أماكن مقترحة كمحميات مستقبلية سيتم إعلانها تباعًا طبقاً للاستراتيجية الوطنية للتنوع البيولوجي 2016 - 2030.
وأشارت عامر، إلى أن أهمية المحميات الطبيعية، ودورها فى حماية أنواع كثيرة من الكائنات الحية نظراً لعدة أسباب، منها تغير الظروف المناخية على سطح الأرض، واستخدام الانسان للكثير من الملوثات الضارة والاستخدام الجائر لمكونات النظم البيئية.
وأكدت على أن المحميات تعتبر موطنًا للعديد من النباتات والحيوانات النادرة والمهددة بالانقراض، مما يجعلها مناطق جذب فريدة للسياح المهتمين بصون الطبيعة والحياة البرية، ودراسة التنوع البيولوجي، أيضا مشاهدة هذه الأنواع الفريدة مع توفير فرص لمشاهدة المناظر الطبيعية الخلابة حيث تتميز المحميات الطبيعية في مصر بمناظرها الطبيعية المتنوعة، من الصحاري الرملية إلى الشعاب المرجانية في البحر الأحمر، وأشجار المانجروف الساحلية علي ساحل البحر الأحمر مما يوفر فرصًا للاستمتاع بجمال الطبيعة.
فرص استثمارية واعدة في مجال السياحة البيئية
وأوضحت عامر أن هناك العديد من الفرص في مصر لاستغلال هذا النوع من السياحة من خلال توفير فرص الغوص لمشاهدة المناظر الطبيعية للشعاب المرجانية حيث يتمتع البحر الأحمر وخاصة في مناطق دهب وشرم الشيخ ورأس محمد وكذلك مرسي علم وامتداد ساحل البحر الأحمر الي حدود السودان حيث أن هذه السياحة هي الأروج علي مستوي البحر الأحمر.
وأكدت أن المحميات الطبيعية تساهم في دعم الاقتصاد المحلي حيث تساهم السياحة البيئية عبر المحميات الطبيعية من خلال توفير فرص عمل للسكان المحليين وزيادة دخلهم من خلال قيامهم بالعديد من الأنشطة الخدمية والسياحية والإرشادية وتقديم الغذاء وغيرها من الأنشطة المختلفة كما توفر بعض المحميات الطبيعية في مصر فرصًا لممارسة سياحة السفاري والمغامرات، مثل تسلق الجبال والتخييم في الصحراء، والغوص مما يجذب فئة معينة من السياح.
وشددت عامر الدولة بضرورة العمل على تطوير المحميات الطبيعية ودمجها في البرامج السياحية والترويج السياحي الأمثل لها لما تحتويه المحميات من تنوع بيولوجي ومناظر طبيعية فريدة مع تحسين الخدمات والبنية التحتية والمعلوماتية في المحميات لتلبية حاجة المنتفعين لزيادة الترويج للسياحة البيئية في مصر .
وطالبت عامر بعمل أفلام وبرامج علمية علي مستوي جيد يروج في الإعلام العالمي ولدى شركات السياحة، وكذلك توفير وسائل الاتصال والإسعاف والإرشاد باللغات العديدة في المحميات وتدريب الكوادر البشرية بالمحميات علميا وفنيا وإداريا لتتواكب كفاءتهم مع المستجدات العالمية وضرورة زيارة المواقع المشابهة عالميًا لنقل خبرات النجاح.
ومن جانبها قالت الدكتورة نهى سمير دنيا، العميد السابق لـ كلية الدراسات العليا و البحوث البيئية بجامعة عين شمس، في تصريحات حصرية لـ آراب فاينانس إن السياحة البيئية تُعد من أسرع أنواع السياحة نموًا، حيث يبحث العديد من السائحين عن تجارب طبيعية أصيلة تبتعد عن الزحام والتلوث وتتميز مصر بتنوع بيئي كبير يشمل المحميات الطبيعية، والصحاري، والواحات، والشعاب المرجانية، ما يجعلها وجهة مثالية لهذا النوع من السياحة.
وحول الفرص المتاحة في مصر لهذا النوع من السياحة أضافت دنيا أن تتميز بتنوع بيولوجي فريد من نوعه فضلا عن المناخ المعتدل والمشمس أغلب أيام السنة كما أن مصر يمكن أن تستغل تنامي الوعي العالمي بالسياحة المستدامة لجذب هذا النوع من السائحين.
تحديات تواجه السياحة البيئية في مصر
وأوضحت دنيا أن هناك عدة تحديات تواجه السياحة البيئية في مصر منها ضعف البنية التحتية في بعض المناطق البيئية ونقص الترويج للسياحة البيئية مقارنة بالسياحة الثقافية فضلا عن التلوث البيئي في بعض المواقع الطبيعية، وغياب التوعية المحلية بأهمية حماية الموارد الطبيعية وقلة الكوادر المدربة في مجال إدارة السياحة البيئية.
وأكدت أستاذ الدراسات البيئية أن هناك عدد من معالم السياحة البيئية غير مستغلة الاستغلال الأمثل في مصر مثل واحة سيوة والتي تمتاز بطبيعتها الصحراوية الفريدة وينابيعها العذبة كذلك محمية وادي الجمال في مرسى علم والتي تحتوي على شعاب مرجانية وحياة بحرية نادرة فضلا عن الواحات البحرية والفرافرة وهى مناطق غنية بالكثبان الرملية والحفريات إضافة إلى محمية جبل علبة أحد أغنى المناطق بالتنوع البيولوجي ومحمية الزرانيق في سيناء وهى محطة مهمة للطيور المهاجرة.
وطالبت دنيا بضرورة تطوير البنية التحتية في المناطق البيئية مع الحفاظ على طبيعتها مع تنظيم حملات ترويج دولية تستهدف عشاق الطبيعة والمغامرة وسن قوانين لحماية الموارد البيئية وتشديد الرقابة فضلا عن توفير برامج تدريبية للمرشدين والعاملين في هذا القطاع ودعم المشروعات الصغيرة المحلية التي تخدم السياحة المستدامة مع ضرورة التعاون مع منظمات دولية لتبني معايير السياحة البيئية.
وقالت حنان بدوي، الخبيرة في مجال البيئة والأمين العام لجمعية كتاب البيئة والتنمية، إن مصر تتمتع بفرص واعدة في مجال السياحة البيئية، وإلى جانب تراثها الحضاري العظيم فهى دولة لها موقع جغرافي، وتتمتع بتنوع بيولوجى عظيم وتكوينات جيولوحية انفردت بها الطبيعة المصرية منذ آلاف السنين مشيرة إلى أن السياحة البيئية لها دور فى جذب شريحة متنامية من السياح المهتمين بفكرة الاستدامة واحترام البيئة، والثقافة المحلية، التى تقدم تجارب فريدة لا تتوفر في السياحة التقليدية.
وأوضحت بدوي، أن مصر كوجهة سياحية متنوعة قادرة على جذب شرائح مختلفة من السياح ذوي الاهتمامات الخاصة، للاستفادة من الثروات الطبيعية الفريدة من صحاري وواحات وشعاب مرجانية وجبال وأراضٍ رطبة، مما يمنحها ميزة تنافسية في مجال السياحة البيئية.
وأكدت الخبيرة في مجال البيئة، أن هناك عدة معالم سياحية غير مستغلة الاستغلال الأمثل في مصر مثل قرى النوبة في أسوان والتي تقدم تجربة ثقافية وبيئية فريدة من خلال التفاعل مع الثقافة النوبية والتمتع بجمال النيل وهى تحتاج إلى دعم وتمكين المجتمعات المحلية لتطوير سياحة ثقافية وبيئية مستدامة فضلا عن وادي الحيتان الذي يحتاج إلى التطوير وهو موقع فريد لتراث الحفريات، يضم هياكل عظمية كاملة لحيتان منقرضة.
كما أشارت بدوي إلى أهمية الواحات المصرية مثل واحات سيوة، والداخلة، والخارجة، والفرافرة، والبحرية، والتى تتميز بتنوع طبيعي وثقافي فريد، من عيون المياه والبحيرات المالحة إلى الكثبان الرملية والآثار القديمة، بالإضافة إلى الثقافة البدوية الأصيلة التي تحتاج إلى تطوير بنية تحتية مستدامة وتسويق يركز على الأصالة والتجربة الثقافية والبيئية فضلا عن المحميات الصحراوية الأخرى مثل الصحراء البيضاء والجزء الجنوبي من الصحراء الشرقية، والتي تتميز بتكوينات صخرية فريدة ومناظر طبيعية ساحرة. يمكن تطوير سياحة السفاري البيئية والتخييم الفلكي.
ضرورة الاستثمار في فنادق ومنتجعات صديقة للبيئة
وطالبت بدوي في ختام حديثها لـ آراب فاينانس بضرورة الاستثمار في فنادق ومنتجعات صديقة للبيئة، ووسائل نقل مستدامة، ومرافق سياحية تحترم البيئة مع تمكين المجتمعات المحلية من خلال إشراك السكان المحليين في إدارة المشاريع السياحية البيئية وتوفير فرص اقتصادية لهم مع الترويج للوجهات والمنتجات السياحية البيئية المصرية في الأسواق العالمية المستهدف وتطوير برامج سياحية متخصصة لتقديم تجارب متنوعة مثل مراقبة الطيور، ورحلات السفاري البيئية، والغوص المستدام، والتخييم البيئي، والسياحة الزراعية مع ضرورة الاستثمار في التدريب والتوعية من خلال تأهيل الكوادر العاملة في قطاع السياحة البيئية وتوعية السياح بأهمية الحفاظ على البيئة وإنشاء المزيد من المحميات الطبيعية وتطويرها وحماية المناطق ذات الأهمية البيئية وتوفير التسهيلات اللازمة للزوار بشكل مستدام.
ووصف الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء، خلال مؤتمر صحفي مؤخرًا تدفقات السائحين في عام 2024 بـ المبشرة، مشيرًا إلى أنهً أنه لولا الاضطرابات الإقليمية التي تحيط بمصر لارتفع هذا الرقم إلى 18 مليون سائح بدلاً من 15 مليوناً و700 ألف موضحًا أن الحكومة تستهدف 18 مليون سائح خلال عام 2025.
وشهدت أعداد الليالي السياحية وفق بيان لمجلس الوزراء نموًا خلال النصف الأول من 2024، حيث بلغت 70.2 مليون ليلة سياحية، لتتجاوز بذلك المستويات القياسية السابقة، وهو ما انعكس إيجاباً على النسب التقديرية للإيرادات السياحية، حيث حققت مبلغ 6.6 مليار دولار، مقارنةً بمبلغ 6.3 مليار دولار خلال الفترة من عام 2023 .
ووفق نورا علي رئيسة لجنة السياحة بمجلس النواب فإن حجم دخل السياحة خلال العام 2024، وصل 16 مليار دولار.
وتأمل مصر في زيادة عائدات قطاع السياحة لتصل إلى 30 مليار دولار سنويًا، عبر تنويع المنتج السياحي، بين ديني وعلاجي وثقافي وشاطئي.