آراب فاينانس: أطلقت الحكومة المصرية السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية حيث أعلنت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، عن طرح السردية الوطنية من خلال تطبيق "شارك" التابع للوزارة.
وأكدت الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، حرص الحكومة على خلق حوار مجتمعي بنّاء حول تفاصيل السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية، التي تُمثل إطارًا شاملًا يُحقق التكامل والتناسق بين برنامج عمل الحكومة للفترة بين العامين الماليين 2024/2025-2026/2027، ورؤية مصر 2030، في ضوء المتغيرات المتسارعة التي فرضتها المستجدات الإقليمية والدولية، بهدف التحول نحو نموذج اقتصادي يرتكز على ترسيخ استقرار الاقتصاد الكلي، إعادة توجيه النشاط الاقتصادي من القطاعات غير القابلة للتبادل التجاري إلى القطاعات القابلة للتبادل والتصدير، وإعادة تعريف دور الدولة في الاقتصاد، بما يعزز القدرة التنافسية للاقتصاد المصري ويحفز مشاركة القطاع الخاص.
"آراب فاينانس" طرح العديد من التساؤلات على الخبراء حول جدوى السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية، ودورها في تحقيق المنافسة العادلة بين القطاعين العام والخاص، فضلا عن دورها في تحديد الأولويات الاقتصادية خلال الفترة المقبلة.. فماذا قالوا؟
ضرورة تحديد الأولويات الاقتصادية
من جانبها قالت الدكتورة يمن الحماقي رئيسة قسم الاقتصاد السابقة بجامعة عين شمس في تصريحات حصرية لـ آراب فاينانس إن مصر بعد تجربتها مع صندوق النقد الدولي تحتاج لإعادة النظر في الرؤية الاقتصادية وتماشيها مع المتغيرات الحالية لتحديد الأولويات الاقتصادية خلال الفترة المقبلة خاصة إن مصر أجرت حوارًا وطنيًا استمعت فيه للعديد من خبراء الاقتصاد الذين قدموا العديد من التوصيات بشأن استقرار الاقتصاد الكلي ونمو التشغيل.
وأوضحت الحماقي أنه ينبغي تحديد الأولويات الاقتصادية مع تحديد معوقات التنفيذ لافتة إلى أن الأزمة في مصر تتمثل في ضعف المؤسسات والفساد الإداري وسوء الإدارة.
وطالبت الخبيرة الاقتصادية بضرورة إفساح المجال أمام القطاع الخاص خاصة إننا لاحظنا تراجع مؤشر مديري المشتريات خلال الفترة الماضية حيث تراجع لـ 49.2 نقطة في أغسطس الماضي وهو ما يعني تأثر أنشطة القطاع الخاص.
يعد مؤشر مديري المشتريات من المؤشرات الاقتصادية الرائدة لقطاعات التصنيع والبناء والخدمات، ويستمد المؤشر عن طريق مسح قطاع كبير من مديري المشتريات في القطاع الخاص فيما يتعلق بظروف العمل بما في ذلك إنتاج العمالة والأسعار والطلبيات الجديدة والتسليمات والمخزونات، ويشير الرقم فوق 50.0 إلى أن الصناعة تتوسع بينما يشير الرقم تحت 50.0 إلى أن الصناعة تنكمش.
وشددت الحماقي على ضرورة مواجهة التحديات الاقتصادية ودراستها على أرض الواقع مع تحقيق توازن المصالح بين القطاعين العام والخاص.
وأضافت الحماقي أن الاقتصاد يعاني من استحواذ الحكومة على بعض القطاعات والمشروعات مطالبة بصيغة تعاون بين الجانبين الخاص والعام لتحقيق توازن المصالح بينهما.
وحول كيفية تحقيق توزان المصالح بين القطاعين العام والخاص أكدت الحماقي أن ذلك سيتحقق من خلال وجود جهاز قوي لحماية المنافسة ومنع الاحتكار مع تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تساهم في زيادة معدلات التشغيل وتحدث توازن في توزيع الدخول كما تعمل على زيادة معدلات التصدير وخفض الاستيراد، فضلًا عن استغلال الطاقات الإنتاجية المهدرة.
وأكدت على ضرورة تحقيق مصالح الفئات الاجتماعية وليس تحقيق مصالح فئة على حساب فئة أخرى حيث اعتاد المواطن منذ عام 2014 على وعود حكومية بتحسن الأحوال المعيشية دون تحقيق ذلك على أرض الواقع مع ضرورة توافر الشفافية والموضوعية.
ضرورة التكامل بين القطاعين العام والخاص
بينما يرى الدكتور عز الدين حسانين الخبير الاقتصادي ضرورة الحفاظ على مؤسسات القطاع العام والتكامل بين كل من القطاعين العام والخاص حيث يحدث القطاع العام التوازن بالسوق في بعض القطاعات الاستراتيجية لافتًا إلى أن السردية الوطنية تتضمن الجهود الحكومية خلال الفترة الماضية، ووضع استراتيجية للدولة متكاملة ستلتزم بها جميع الوزارات فيما يحقق جذب مزيد من الاستثمارات المباشرة لمصر.
وأكد على أن السردية الوطنية يجب أن تحقق السرعة في الحصول على تراخيص المشروعات الصناعية حيث لا تزال المنصات الرقمية تحتاج للمزيد من التطوير مع تسهيل إجراءات توصيل المرافق للأراضي الصناعية.
ومن جانبه قال الدكتور أحمد شوقي الخبير الاقتصادي وأستاذ التمويل والاستثمار إن أحد إشكاليات الاقتصاد المصري هى اعتماده على القطاعات الخدمية وليس الصناعية، وبالتالي ينبغي زيادة القدرات الصناعية في مصر، مع تخفيض الدين الحكومي حيث يتجاوز الدين الخارجي حاليًا 150 مليار دولار وهى نسبة أعلى من النسبة الآمنة حيث أن النسب الآمنة هى أن تكون المديونية أقل من 35% من الناتج المحلي الإجمالي بينما هذه النسبة في مصر تتجاوز 40% لذا ينبغي أن تتضمن السردية الوطنية تخفيض هذه النسبة للمديونية الخارجية.
وأضاف شوقي أنه ينبغي أيضًا زيادة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني لأن القطاع الخاص هو الذي يساهم في مشروعات الاستثمارات المباشرة مع تحديد المجالات ذات الأولوية التي ينبغي أن نستثمر فيها.
من جانبه أكد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء أن السردية الوطنية تمثل رؤية متكاملة للمديين القصير والمتوسط، وجاءت لتجيب عن تساؤلات عديدة أثيرت مؤخرًا بشأن توجهات الدولة بعد انتهاء برنامج صندوق النقد الدولي، ومدى تكامل السياسات الحكومية.
وأوضح أن إعداد السردية لم يكن استجابة لظروف طارئة، بل نتاج جهد متراكم منذ تشكيل الحكومة الحالية في يوليو 2024.
وأشار رئيس الوزراء إلى التحديات العالمية غير المسبوقة التي تواجه الاقتصاد الدولي، مؤكداً ضرورة وضع رؤية واضحة تُمكّن مصر من الاستفادة من استثماراتها الضخمة في البنية التحتية واللوجستيات، وتحقيق طفرة في القطاعات الإنتاجية والصناعية وجذب الاستثمارات الأجنبية.
وأوضح أن الدولة باتت مؤهلة للتركيز على القطاعات القابلة للتداول مثل الصناعة والسياحة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، باعتبارها محركات أساسية للنمو المستدام.
كما شدد على أن القطاع الخاص سيكون القائد الرئيسي لعملية التنمية في المرحلة المقبلة، مع التزام الحكومة بتبسيط الإجراءات وتحسين مناخ الاستثمار.
كشف مدبولي عن تحسن عدد من المؤشرات الاقتصادية، حيث ارتفع معدل النمو إلى 4.2% في الأشهر التسعة الأولى من العام المالي، وانخفض معدل التضخم من 25.7% إلى 13.9% خلال عام واحد، كما حققت الموازنة فائضًا أولياً قدره 3.6% مع استهداف الوصول إلى 4% العام المقبل.
وأكد أن الحكومة تستهدف خفض معدلات الدين إلى أدنى مستوياتها التاريخية، وزيادة الصادرات بنسبة 20% سنوياً على مدار الأعوام الخمسة المقبلة، مع ضمان استدامة النمو بين 5-7%.
وأوضح أن السردية تتضمن خططاً إصلاحية في السياسات النقدية والمالية، والضرائب والجمارك، وتحفيز القطاع الخاص ليقود عملية التنمية.
ودعا رئيس الوزراء إلى حوار مجتمعي موسع خلال الشهرين المقبلين لمناقشة محاور السردية وصياغتها النهائية، على أن يتم الإعلان عن النسخة الكاملة في مؤتمر موسع في ديسمبر المقبل. واختتم كلمته بالتأكيد على أن الهدف الأساسي هو تحسين جودة حياة المواطن المصري وضمان انعكاس الإصلاحات الاقتصادية بشكل مباشر على حياته اليومية.