آراب فاينانس: تمتلك مصر موقعًا متميزًا، ومزايا عديدة لصناعة الهيدروجين الأخضر. كما تواجه العديد من التحديات في ذات الوقت لنمو تلك الصناعة.
وأعلنت الحكومة المصرية، في أغسطس 2024 عن استراتيجيتها للهيدروجين الأخضر، ما يمثل خطوة مهمة في جهود الدولة الرامية إلى تطوير حلول للطاقة المستدامة.
وتهدف مصر من الاستراتيجية إلى إنتاج 1.5 مليون طن سنويًّا من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030، على أن تقوم بزيادة هذا الرقم إلى 5.8 مليون طن سنويًّا بحلول عام 2040.
من جانبها قالت الدكتورة داليا سمير، مديرة تطوير الأعمال بـ شركة هيدروجين مصر إن مصر بلد تمتلك جميع الإمكانات للاستثمار في مجال الهيدروجين الأخضر من شمس ورياح، وكل ذلك يساهم في جذب العديد من الاستثمارات في هذا المجال.
وأضافت سمير، في تصريحات حصرية لـ آراب فاينانس أن هناك العديد من الاتفاقيات التي وقعت بالفعل بمؤتمر المناخ كوب 27 لإقامة مشروعات الهيدروجين الأخضر والطاقة النظيفة في مصر.
وأوضحت سمير أنه بعد الحرب الروسية الأوكرانية أصبح الأمر يستلزم استبدال الوقود الأحفوري بالطاقة النظيفة، حيث يعد الهيدروجين الأخضر أحد أبرز أنواع الطاقة النظيفة التي يتجه لها العالم حاليًا.
وأشارت سمير إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يدعم التوجه نحو الطاقة النظيفة لافتة إلى أن مصانع الأسمدة سيكون لها دورًا كبيرًا خلال الفترة المقبلة للاستثمار في الهيدروجين الأخضر.
وحول أبرز التحديات التي تواجه صناعة الهيدروجين الأخضر في مصر ذكرت سمير بأن الأسعار الخاصة ببيع الهيدروجين الأخضر تمثل تحدي كبير نتيجة التكاليف الكبيرة لهذه الصناعة. كما يواجه المستثمرين بعض المعوقات مثل نقص البنية التحتية، وهناك كذلك بعض المستثمرين الأجانب فوجئوا ببعض المعوقات الروتينية الحكومية وعدم استجابة من ناحية تقديم الحوافز الاستثمارية.
وطالبت سمير بضرورة قيام الحكومة بتوفير الأراضي اللازمة لمشروعات الهيدروجين الأخضر وتسهيل الإجراءات وتقديم الحوافز الاستثمارية للمستثمرين خاصة في منطقتي العين السخنة والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس حيث تتميز بطبيعة مناسبة جدًا لهذه المشروعات من حيث الشمس والرياح القوية. كما أن قرب هذه المشروعات من قناة السويس فرصة لنقل الهيدروجين من مصر لدول أوروبية.
وأوضحت سمير أن الهيدروجين الأخضر يعد بديل للوقود الأحفوري والفحم لذلك يعد من الطاقات النظيفة التي دعت لها مؤتمرات المناخ السابقة، وأهداف التنمية المستدامة.
ومن جانبها قالت الدكتورة نهى سمير دنيا، العميدة السابقة لكلية الدراسات والبحوث البيئية بجامعة عين شمس، إن أهمية الاستثمار في الهيدروجين الأخضر ترجع لكونه وسيلة رئيسية لخفض انبعاثات الكربون في قطاعات صعبة الإزالة مثل الصناعات الثقيلة وصناعة الصلب، والكيماويات، والأسمدة، والنقل البحري والجوي. كما يعد الهيدروجين الأخضر مخزن للطاقة حيث يتيح تحويل الطاقة الكهربائية الزائدة من طاقة شمسية ورياح إلى وقود قابل للتخزين والنقل.
مصر لديها فرص واعدة لتصدير الهيدروجين الأخضر لدول أوروبا وأسيا
وأوضحت دنيا أن هناك فرص تصدير عالية القيمة أمام مصر لأن الدول الأوروبية والآسيوية بدأت تبني طلب استراتيجي على الهيدروجين النظيف. كما يساهم الهيدروجين الأخضر في تنمية صناعات جديدة وخلق وظائف في مجالات التصنيع، والصيانة، والخدمات اللوجستية، والبحث والتطوير فضلًا عن تكامله مع أهداف الطاقة المتجددة إذ يرفع جدوى استثمارات الرياح والشمس عبر خلق سوق للطاقة الفائضة.
وأكدت الخبيرة البيئية أن مصر تمتلك فرص كبيرة للاستثمار في الهيدروجين الأخضر إذ لديها موارد متجددة ممتازة من رياح قوية في البحر الأحمر وشمال سيناء، وشمس عالية الإشعاع في مناطق الصحراء لإنتاج كهرباء بسعر مناسب. كما تتميز مصر بمواقع ساحلية استراتيجية مثل الموانئ على البحر الأحمر والمتوسط ما يتيح تسهيل التصدير لكل من أوروبا، وآسيا موضحة أن مصر تقع بالقرب من أسواق كبيرة في أوروبا وهى أسواق لديها حاجة متزايدة للهيدروجين الأخضر، كما أن مصر تعد ممرًا لوجستيًا مميزًا.
وأوضحت دنيا أن صناعة الهيدروجين الأخضر تتكامل مع صناعات حالية مثل صناعة الأسمدة، والبتروكيماويات، والسفن حيث يمكن استخدام الهيدروجين كمواد خام أو وقود.
وأكدت دنيا أن هناك العديد من التحديات التي تواجه الاستثمار في الهيدروجين الأخضر في مصر مثل التمويل والتكلفة الاقتصادية حيث لا تزال أعلى مقارنة بالهيدروجين التقليدي من الغاز حتى مع تراجع تكلفة الطاقة المتجددة.
ونوهت بأن هناك تحدي آخر يتعلق بنوعية المياه المستخدمة حيث يحتاج الهيدروجين الأخضر لـ ماء عالي النقاء، وبالتالي فالاعتماد على مياه الشرب غير مقبول ومطلوب إيجاد حلول مناسبة مثل تحلية مياه البحر أو استخدام مياه معالجة صناعيًا.
ضرورة توافر البنية التحتية لمشروعات الهيدروجين الأخضر
وأضافت دنيا أن مشروعات الهيدروجين الأخضر تحتاج أيضا إلى البنية التحتية للنقل والتخزين مثل الأنابيب، والخزانات، ومرافق شحن الأمونيا.
وشددت دنيا على ضرورة وجود سياسات تحفيزية واضحة، وآليات دعم تمويلية، وتوفير معايير السلامة المطلوبة.
وأشارت دنيا إلى أنه ينبغي توافر الخبرات الفنية والعمالة الماهرة لافتة أيضًا إلى وجود مخاوف متعلقة بالاستخدام المكثف للمياه، وتأثيرات التحلية، وإدارة الملح على البيئة المحيطة، بالإضافة لإجراءات السلامة للغاز القابل للاشتعال. كما يتطلب الأمر الحاجة لتخصيص طاقة متجددة كبيرة قد تتطلب تحسينات في شبكة النقل.
وطالبت دنيا في ختام حديثها لـ آراب فاينانس بضرورة وجود حوافز ضريبية، وإعفاءات على استيراد المعدات، والتسهيلات في تراخيص الأراضي والموانئ، وآليات الدعم الأولية مثل القروض الميسرة.
من جانبه قال الدكتور محمد سليم سالمان، استشاري الطاقة المتجددة، والرئيس الأسبق لـ قطاع المراقبة المركزية للأداء بوزارة الكهرباء، إن الهيدروجين الأخضر يستخدم في التكرير وإنتاج الأمونيا وحمض النيتريك والأسمدة النيتروجينية.
وأشار سالمان إلى أن أكبر التحديات التي تواجه صناعة الهيدروجين الأخضر في مصر تتمثل في إنشاء محطات الطاقة المتجددة، وربطها بالشبكة وإنشاء المحلل الكهربائي، فضلا عن التمويل الضخم لمثل هذه المشروعات والإشراف الهندسي المنضبط عليها.
ووقعت مصر أربع اتفاقيات كبرى العام الماضي لإنتاج الأمونيا الخضراء، وتشمل اتفاقية مع شركة داي إنفراستركشر الألمانية بقيمة 11 مليار دولار لإنشاء مشروع بميناء شرق بورسعيد، واتفاقية مع شركة أوكيور إنيرجي الهندية بقيمة 4.25 مليار دولار لإنشاء مشروع بميناء العين السخنة.
والأمونيا الخضراء، التي يتم إنتاجها بشكل أساسي من الهيدروجين المشتق من الغاز الطبيعي والنيتروجين المستخرج من الهواء، لا ينبعث منها ثاني أكسيد الكربون عند حرقها، وتستخدم بشكل أساسي كمادة خام للأسمدة والمواد الكيميائية، ولكن يمكن أيضا استخدامها كوقود منخفض الكربون لتوليد الطاقة ووقود للسفن.
كما أبرمت مصر اتفاقية مع تحالف طاقة عربية، وفولتاليا الفرنسية بقيمة 3.46 مليار دولار لمشروع بميناء السخنة، واتفاقية مع تحالف يضم بريتيش بتروليوم، ومصدر الإماراتية، وحسن علام للمرافق، وإنفينيتي باور القابضة، بقيمة 14 مليار دولار لتطوير محطة للهيدروجين الأخضر بميناء السخنة.
كذلك اتفقت مصر وفرنسا في أبريل الماضي على إنشاء محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، بما في ذلك الأمونيا الخضراء، بتكلفة إجمالية 7 مليارات يورو ممولة من القطاع الخاص.
تحديات تواجه الشركات العالمية
وعالميًا تواجه مشروعات الهيدروجين الأخضر تحدي التمويل وارتفاع التكاليف أيضًا حيث شهدت مشروعات الهيدروجين الأخضر بعض التراجع في عدة دول إذ أعلنت شركة وودسايد إنرجي، وهي أكبر شركة مستقلة لإنتاج النفط والغاز في أستراليا، عن إلغاء مشروعين للهيدروجين الأخضر في أستراليا ونيوزيلندا في سبتمبر 2024.
كذلك خفضت شركة الكهرباء الوطنية الإسبانية إيبردرولا، وهي أكبر شركة مرافق في أوروبا طموحاتها المتعلقة بالهيدروجين الأخضر بنحو الثلثين في مارس 2024 بعد تأخر تمويل بعض المشاريع، وانخفض هدفها الإنتاجي لعام 2030 إلى حوالي 120 ألف طن من الهيدروجين الأخضر سنويًا، مقارنة بهدف سابق بلغ 350 ألف طن.
وحسب بيانات شركة ويستوود جلوبال إنرجي، من المتوقع أن يدخل الخدمة فقط نحو 20% من مشروعات الهيدروجين المخطط لها في الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2030، أي ما يعادل 12 جيجا وات من القدرة الإنتاجية، مقارنة بالهدف الأوروبي البالغ 40 جيجا وات.