مع انطلاق فعاليات قمة المناخ "كوب 28" الإمارات أمس، تستعد مصر لطرح أجندة خلال الحدث حافلة بمشروعات تحتاج إلى تمويلات بمليارات الدولارات، لا سيما في مجالات الطاقة المتجددة والنقل.
وفي هذا الإطار، حددت وزارة التخطيط المصرية أولوياتها في تنويع مصادر التمويل اللازم للاستثمارات الخضراء، في حين تسعى وزارة المالية إلى التوسع في استخدام التمويل السيادي الأخضر، بحسب مسؤولين حكوميين تحدثوا إلى الشرق.
جدول أعمال مؤتمر كوب "28" في دبي الذي يستمر حتى 12 ديسمبر المقبل، يشمل موضوعات متنوعة تتناول خفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، والتأقلم مع الظواهر المناخية المتطرفة، وتداول انبعاثات الكربون، وعدم المساواة بين الجنسين، وغيرها من القضايا المرتبطة بالتغير المناخي وآثاره على الاقتصادات والأوضاع المعيشية والاجتماعية لشعوب العالم.
وزيرة البيئة المصرية ياسمين فؤاد، قالت لـ"الشرق" إن بلادها لديها أجندة كبيرة من المشروعات التي تحتاج إلى تمويلات بمليارات الدولارات، خصوصاً في مجالات الطاقة المتجددة والقطار الكهربائي، ومشروعات خاصة بالتكيف في الزراعة، وتحلية مياه البحر.
خلال قمة المناخ الأخيرة "كوب 27" التي استضافتها مصر في شرم الشيخ العام الماضي، كان المسار التفاوضي قد شهد للمرة الأولى إدراج بند الخسائر والأضرار في أجندة المؤتمر، بعد رفض إدراج هذا البند لسنوات عديدة من قبل الدول المتقدمة. كما شهدت القمة الإعلان عن إنشاء صندوق للتعويضات لتمويل الخسائر والأضرار، إلى جانب عدم وضع معايير تعسفية على الدول النامية لوضع خططها لخفض الإنبعاثات.
فؤاد أكدت لـ"الشرق" أن من أهم أولويات مصر من "كوب 28"، تنفيذ التوصيات التي خرجت من مؤتمر شرم الشيخ، والمتمثلة في إنشاء صندوق الخسائر والأضرار وتفعيل المهام الخاص به، موضحة أن الصندوق يستهدف جمع تمويلات من دول مجموعة العشرين، إلى جانب دول مجموعة السبع، وأي دولة متقدمة أخرى.
فيما يتعلق بحجم الاستثمارات التي يستهدفها صندوق الخسائر والأضرار، أوضحت الوزيرة المصرية أن توصيات "كوب 27" خرجت بإنشاء الصندوق وتفعليه فقط، "ولم تحدد مبلغاً معيناً". وقالت إن "هدف (كوب 28) الرسمي، هو التفاوض على التمويل والتكيف والخسائر والأضرار"، مضيفة أن الصندوق يُعد آلية لتعويض الدول التي تتأثر بتغير المناخ وتتعرض لكوارث طبيعية.
قالت فؤاد: "تحتاج مصر إلى تمويلات لمشروعات جديدة عدة سيتم عرضها وبحث سبل تمويلها خلال مؤتمر (كوب 28) الإمارات، أبرزها المرحلة الثانية من القطار الكهربائي، ومشروعات خاصة بالتكيف في مجال الزراعة، إضافة إلى مشروعات تحلية مياه البحر، واستمرار التوسع في الطاقة الجديدة والمتجددة لتصل نسبتها إلى 42% من الطاقة المستخدمة بحلول 2030 حسب خططنا المستقبلية".
وزيرة البيئة أشارت لـ"الشرق" أيضاً إلى أنه "لا يوجد مبلغ مالي محدد لإجمالي استثمارات المشروعات المصرية المطلوب تمويلها، حيث من المقرر أن نتقدم بورقة عمل، ومن خلالها ننظر إلى المستثمر أو جهة عمل التي تستطيع تمويل المشروع".
من بين المخرجات التي جاءت بها القمة في دورتها الماضية في مصر، تقديم الدول لحزمة من القرارات التي أكدت التزامها بالحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية عند 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل مستويات عصر الصناعة.
أكد مسؤول في وزارة المالية المصرية تحدث مع "الشرق" شريطة عدم نشر اسمه، أن الوزارة ستطلب التوسع في استخدام التمويل السيادي الأخضر في تمويل المشروعات التي تحدّ من الانبعاثات الكربونية، والتي تشمل الاستفادة من التمويل الأخضر المستدام في منح أولوية للمشروعات الصناعية الخضراء في مجالات عديدة، منها الطاقة المتجددة، والصناعات البديلة لمنتجات البلاستيك، والنقل الذكي، ومشروعات تحلية المياه المعتمدة علي التمويل عبر السندات الزرقاء.
المسؤول أضاف أن الحكومة ستعرض أيضاً ملفاً داخلياً يمنح مزايا ضريبية لعدد من المشروعات الصناعية التي تعتمد علي وسائل الاستدامة البيئية، ومنها علي سبيل المثال المشروعات التي تعتمد على مصادر الطاقة النظيفة والكهرباء بدلاً من الوقود المعتاد ذي الأثر البيئي السيئ، وكذلك المشروعات التي تنتج مواد بديلة للمنتجات الملوثة للبيئة. كما أنها ستعرض مشروعات تشمل فرض رسوم إضافية علي المشروعات الملوثة للبيئة أو كثيفة الاستهلاك للطاقة غير النظيفة، لصالح مشروع التأمين الصحي الشامل.
قال مسؤول وزارة المالية: "سنعرض أيضاً عدداً من الفرص الاستثمارية التي تجذب المستثمرين إلى نظام المشاركة بين القطاعين العام والخاص من نوعية المشروعات ذاتها الصديقة للبيئة، مثل مشروعات تحلية المياه واستخدامها في أغراض الري، ومحطات الكهرباء أيضاً".
من جهته، أشار هشام بدر مساعد وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية إلى أن بلاده لن تكتفي من خلال مشاركتها في مؤتمر "كوب 28" بإلقاء الضوء على نتائج جهودها المثمرة وعرض خططها المستقبلية وتوسيع آفاق التعاون مع مختلف الشركاء فحسب، بل ستستهدف أيضاً من خلال مبادراتها المختلفة، سدّ الفجوة التمويلية من أجل تحقيق تنمية شاملة في الدول العربية والأفريقية، وترسيخ مبادئ التعاون المتكافئ بين الدول، بما يكفل تكافؤ الفرص لتحقيق مستقبل مستدام لكافة شعوب العالم.
بدر أضاف لـ"الشرق" أن مصر ستبحث خلال مشاركتها أيضاً تنويع مصادرها التمويلية بشكل تشاركي، مع التركيز على الاستثمارات الخضراء.
وقال: "سنتابع ما تحقق على صعيد إنشاء صندوق الخسائر والأضرار، والذي يهدف إلى مساعدة البلدان الأكثر تضرراً من التغيرات المناخية، وتحمّل الدول المتقدمة مسؤولياتها تجاه مواجهة مخاطر تغير المناخ".
تستهدف مصر وفقاً لمساعد وزيرة التخطيط المصرية الاستمرار في جهودها لتحويل التصريحات والالتزامات الشفهية إلى مبادرات عملية على أرض الواقع.
في ما يتعلق بمشاركة الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس في القمة، قال أحمد سعد، المدير التنفيذي للهيئة في حديث لـ"الشرق": "نعمل على توقيع مذكرات تفاهم (مليارية) خلال (كوب 28)، لإقامة مشروعات استثمارية جديدة".
أضاف: "نستهدف جذب استثمارات في قطاعات الطاقة النظيفة، لا سيما تموين السفن بالطاقة النظيفة أو الطاقة المشتقة من الهيدروجين الأخضر (الأمونيا الخضراء، الميثالون الأخضر)، فضلاً عن قطاع اللوجستيات، وذلك في إطار خطتنا لأن تصبح المنطقة مركزاً إقليمياً لمصادر الطاقة النظيفة".
كذلك أشار إلى أن الهيئة تعمل على جذب استثمارات لتوطين صناعة السيارات في شرق بورسعيد، فضلاً عن المشروعات كثيفة الطاقة والهيدروجين الأخضر في منطقة السخنة، والصناعات الغذائية والمنسوجات في القنطرة غرب، والشرائح الذكية والشركات التكنولوجية والصناعات المغذية للطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية في شرق بورسعيد.
وقال: "نستهدف استثمارات تزيد الأنشطة التصديرية لجذب العملة الصعبة، مستغلين موقع مصر الجغرافي وإمكاناتها، والمزايا والحوافر التي تمنحها المنطقة للمستثمرين".
يُعد التغير المناخي أحد أهم القضايا التي تحظى بالاهتمام على المستوى العالمي، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى التهديدات التي تفرضها آثار تغير المناخ على كافة قطاعات التنمية في دول العالم.
في ما يخص الطاقة والغذاء والمياه، تضمنت مخرجات "كوب 27" في العام الماضي، الحصول على 15 مليار دولار من خلال عدد من الاتفاقيات لتمويل مشروعات برنامج " نُوَفِّي"، وهو ما توليه الحكومة المصرية اهتماماً كبيراً خلال الفترة الأخيرة.
مصدر مسؤول في وزارة التعاون الدولي قال لـ"الشرق"، إن برنامج "نُوَفِّي" سيكون بمثابة خارطة عمل الحكومة المصرية خلال فعاليات قمة "كوب 28".
كانت مصر قد أطلقت في عام 2022، برنامج "نُوَفِّي" لجذب التمويلات والاستثمارات لقائمة من المشروعات الخضراء في قطاعات المياه والغذاء والطاقة.
واستعرض المصدر المسؤول أهم المشروعات التي ستستهدف الوزارة الترويج لتمويلها في القمة، وهي تحويل محطات طاقة تنتج 5 غيغاواط من مصادر تقليدية إلى إنتاج 10 غيغاواط من مصادر متجددة، بتكلفة 10 مليارات دولار، وتحديث نظام الري في الدلتا، وإنشاء نظام إنذار مُبكر للتغيرات المناخية، والتوسع في أنظمة تحلية المياه والري بالطاقة الشمسية.
كما تتضمن أجندة المشروعات التي سيتم الترويج لتمويلها خلال القمة، عدداً كبيراً من مشروعات قطاع النقل، وأهمها تمويل امتداد الخط الأول لمترو الأنفاق حتى شبين القناطر، وتطوير مشروع خط سكة حديد أبو قير-الإسكندرية، وخط سكة حديد الروبيكي (القطار الخفيف)، وتطوير خط سكة حديد طنطا المنصورة دمياط.
أكد المصدر أن الحكومة المصرية ستحاول تجنب الاقتراض، والتركيز على مبادلة الديون، والشراكة مع القطاع الخاص، والمنح.
وعن توقعات الحكومة لمصادر وحجم التمويل المتوقع الحصول عليه خلال القمة، أكد المصدر أن هذا متوقف على "شهية الدول المانحة للتعاون التنموي، خصوصاً أن حالة عدم اليقين في أوروبا والشرق الأوسط كلفت هذه الدول الكثير من مواردها".