يبدو أن شهر مارس لا يزال مصرا على أن يكون هو شهر المفاجآت او الازمات لنصبح امام اصطلاح "أزمة مارس" علي غرار "كذبة أبريل" فمنذ إعلان منظمة الصحة العالمية في مارس 2020عن تحول فيروس كورونا كوفيد-19 ليصبح رسميا وباء عالميا، لتتفاقم أزمة الطاقة والإمداد والشحن في مارس 2021.
ثم اندلاع الحرب الروسية الاوكرانية في مارس 2022 وأخيرا في مارس 2023 انهيار وإفلاس بنك (سيليكون فالي) وبداية أزمة مالية أمريكية بآثار ممتدة عالميا فالبنك المذكور وان لم يكن من البنوك العالمية الكبرى وفق التصنيف العالمي إلى أنه يعتبر من البنوك الهامة قياسا إلى حجم اصوله التي تتجاوز ال200 ملياردولار وهو واحد من اكبر البنوك العاملة في مجال العملات المشفرة وايضا قياسا إلى تميز نوعية نشاطه في مجال التكنولوجيا وتمويل شركاتها الناشئة وأيضا قياسا إلى حقيقة كونه من البنوك التي تجاوز عمرها مرحلة المخاطر الناشئة فهو مؤسس منذ عام 1983 أي منذ 40 عاما استطاع خلالها مواجهة تحديات كثيرة وعلى رأسها الازمة المالية المصرفية في 2008 ليصبح اليوم هو أول أحجار الدومينو في اكبر ازمة مصرفية من نوعها منذ ذلك الوقت.
فمنذ الإعلان عن إفلاسه توالت الانهيارات والأزمات في عدد من البنوك والمؤسسات المالية الأمريكية والأوروبية ذات الارتباط المباشر بوحدات البنك المنهار أو القطاعات التي كان يعمل بها مع توقعات متشائمة بتوالي تساقط أحجار الدومينو في سلسلة ممتدة على غرار أزمة 2008 التي استمرت على مدار عامين وبدأت أمريكية لتتفاقم عالميا بآثار كارثية على الاقتصاديات الدولية.
وتتعاظم التوقعات المتشائمة حول الأزمة الراهنة ومدى انعكاسها على الاقتصاديات النامية والناشئة وإلى أي مدى يمكن أن تمثل ضغوط مضافة إلى الضغوط القائمة بالفعل جراء الأزمات المتلاحقة على مدار السنوات الأربعة الماضية خاصة وأنه لا يمكن حصر الأزمة في العمليات المصرفية التي قد تتميز بعض الاقتصاديات بقوة اجهزتها المصرفية بفعل مساندة الحكومات المحلية لها لأنها فعليا قد تمتد وتداخل إلى القطاعات غير المصرفية وهذه القطاعات هي بيت القصيد في هذا الشأن لأنها هي التي تعاني على مدار السنوات الماضية بشكل مباشر.
ومن أبرز الأمثلة التاريخية، قدرة الجهاز المركزي المصري علي تجاوز واحدة من أشهر الأزمات المصرفية وهي أزمة انهيار بنك الاعتماد والتجارة في الثمانينيات من القرن الماضي وقدرته على تجاوز أزمة 2008 -2009 بنجاح كبير اثبت فيها قدرته الهائلة على استيعاب الآثار الارتدادية لهذه الأزمات وأن كان الكثيرون يرجعون ذلك لطبيعة المساندة القوية واللامحدودة من الدولة المصرية للجهاز المصرفي المصري وهو ما لا يزال قائما حتى الآن ومما يبعث على الطمأنينة في الأزمة الراهنة أنه لا توجد معاملات ذات أرقام مرتفعة مع البنك المذكور وفقالبيانات الصادرة مؤخرا من عدة جهات سواء على المستوى المصرفي أو مستوى الشركات والمؤسسات المصرية وهو ما أكدته العديد الإعلانات المتتالية من جهات الاختصاص وأن كان ذلك لا يغير من حقيقة إن التخوف لا يزال قائما من الانعكاسات الممتدة للقطاعات ذات الصلة بشكل مباشر أو غير مباشر عالميا ومحليا.
ورغم سيطرة هذه التوجهات غير المتفائلة على منظور الأزمة الحالية إلى أن ثمة توجهات أخرى تشير إلى احتمال أن يكون لهذه الأزمة المصرفية الأمريكية انعكاس جيد على القرارات المستقبلية للبنك الفيدرالي الأمريكي خاصة وأن عدد لا بأس به من كبار خبراء الاقتصاد يؤكدون على أن سياسات البنك الفيدرالي وقراراته خلال العام السابق برفع معدلات الفائدة يأتي على رأس أسباب هذا الانهيار المصرفي وأن استمرار البنك في تبنى هذه السياسة مستقبلا قد يؤدى الى انهيارات أكثر حدة وأكثر اتساعا في قطاعات اخرى.
ويأمل هؤلاء الخبراء إلى أن يتراجع الفيدرالي الأمريكي عن توجهاته المعلنة بشأن أي قرارات مستقبلية يكون من شأنها رفع معدلات الفائدة بمعدلات كبيرة حتى نهاية 2023 بل ويأملون اكثر مع حدوث انفراجه في موازين الحرب الروسية الاوكرانية أن يتجه البنك إلى سياسات عكسية بأهداف مختلفة يكون على رأسها الحفاظ على كيان القطاعات الاقتصادية المهددة ومحاصرة الانهيارات المحتملة وهو ما سيمتد بالتأكيد بآثار إيجابية على كافة الاقتصاديات العالمية وعلى رأسها الاقتصاديات النامية والناشئة.
ورغم هذه الآمال إلى أنه لا يمكن التعويل عليها بشكل جاد ولا يزال مطلوب من الاقتصاديات الناشئة والأكثر تأثرا أن تنفذ على وجه السرعة برامج قوية وفعالة بهدف رفع معدلات الاستثماروالتشغيل وزيادة الصادرات باعتباره الحل الأكثر إنجازا على المستوى القريب لتجاوز اي اثار سلبية قد لايمكن تداركها الا بتكاليف باهظة اذا ما حدث تباطؤ او حذر غير مدروس في تنفيذ الخطوات الاصلاحية العاجلة.