يستخدم المصريون بعض هذه العبارة الاستنكارية اعتراضًا على من يحاول استغفالهم أو إساءة استغلالهم، ولكن ما أبعد هذه العبارة عن الواقع الذي نعيشه اليوم؛ حيث تبدو الهند كصاروخ مستعد للانطلاق نحو مستقبل أفضل طبقًا لتقديرات العديد من بنوك الاستثمار العالمية، حتى إن بنك مورجان ستانلي أطلق على العقد القادم اسم «عقد الهند».
فما الذي وضع الهند في هذه المكانة بعد أن عانت من نفس الظروف المريرة التى عانت منها معظم أو كل الدول النامية خلال السنوات القليلة الماضية، بل كانت من أكثر الدول تأثرًا بتلك الظروف بحكم أنها تستورد الكثير من السلع الاستراتيجية، مثل البترول.
أولًا: تركيز الهند على تصدير العمالة عن طريق الـ offshoring. بالنسبة لدولة مثل الهند أقامت منذ سنوات بنية أساسية قوية، وقامت بانتهاج سياسات من شأنها رفع القدرات البشرية وتحسين المهارات المهنية لمواطنيها؛ مثل إجادة اللغات واستخدامات الكمبيوتر، لتكون اللاعب الأكبر في العالم في هذا المجال.
ثم جاء فيروس كورونا كفرصة لا مثيل لها؛ حيث إن تحول شركات كثيرة لنموذج العمل عن بعد أعطى هذه الشركات فرصة أن تستبدل نسبة من موظفيها بموظفين من الهند في نفس مستوى الكفاءة والإنتاجية ولكن بتكلفة أقل.
ثم جاءت الآن أزمة سوق العمل فى عدة دول غربية كفرصة إضافية لزيادة الدخل القومي من هذه الخدمة الهامة.
ثانيًا: تأجج الصراع الغربي الصيني وبالأخص مع الولايات المتحدة معناه أن تقوم العديد من الشركات التي تنتج فى الصين بغرض التصدير إلى هذه الدول بنقل مصانعها إلى دول جديدة.
وقد سارعت الهند لانتهاز هذه الفرصة الكبيرة بتحرك حكومي مكثف مدعوم بقطاع خاص قوى، ولذلك نتوقع أن تتضاعف معدلات التصدير من الهند خلال سنوات قليلة.
الهند فى طريقها لتصبح الدولة الأكثر تعدادًا فى العالم وهم يرون القطاع الصناعي قطاعًا حيويًا يترجم هذه الزيادة السكانية إلى زيادة في الناتج المحلى، أى أنه فى هذه الحالة تتحول الزيادة السكانية إلى قوة دافعة بدلًا من أن تكون عبئا ثقيلًا على المجتمع.
ثالثًا: يعتبر التحول إلى الطاقة الجديدة والمتجددة فرصة للهند لتتخلص من أثقل الأعباء المالية على موازنتها، وهي استيراد الطاقة وخاصة البترول. وترى الهند أن التركيز على هذا التحول من شأنه أن يجعلها بمثابة رائدة عالمية في هذه الصناعة، التي من المتوقع أن تكون أهم القطاعات نموًا فى العالم في العقود القادمة. نجاح الهند فى هذا المسعى معناه ضمان معدل نمو قوى لعقود قادمة وليس فقط لعقد واحد فقط؛ حيث من شأنه أن يتيح ميزة تنافسية للشركات الهندية يمكنها من المنافسة على مستوى عالمى فى العديد من القطاعات الأخرى.
أَخِيرًا وَلَيْسَ آخِراً فنجاح الهند فى التحول الرقمي يعطى درسًا لجميع الدول النامية فى كيفية تطبيق هذا التحول وكذلك فوائده المتعددة من تسهيل بيئة الأعمال، وما ينتج عن ذلك من سهولة إنتاج إحصاءات دقيقة تساعد على فهم طبيعة السوق وإدراك الفرص المتاحة فيه.
نشر بيل جيتس مؤخرًا مقالًا طويلًا على صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة به وخاصة على منصة Linkedin تحدث فيه عن انبهاره بعدد من الإنجازات الهندية في مجالات كثيرة في الفترة الأخيرة وذلك بعد زيارة قام بها مؤخرًا.
لذلك ففي خضم المتاعب المخيفة التي تتعرض لها الدول النامية، فإن ما جاء في هذا المقال عن الإنجازات الهندية بالإضافة إلى التقديرات الإيجابية التي تتردد منذ شهور من بعض المؤسسات العالمية المهمة عن الأداء الاقتصادى الهندى يجعلنا نقول بالفم المليان: يارب نبقى هنود!
بالتعاون مع جريدة الشروق