منذ اندلاع أزمة كورونا تلاها تداعيات سلبية في قطاعات الطاقة وسلاسل الإمداد والتوريد العالمية و اثرتعلى حركة التجارة الدولية وتفاقمت هذه التداعيات لاحقابفعل اندلاع الحرب الروسية الاوكرانية في مارس 2022 واستمرارها دون توقع لنهاية قريبة حتى الان، كل ما سبق كان له أثار ممتدة على كافة الاقتصاديات المتقدمة والناشئة والنامية وهي أثار تختلف باختلاف قدرات وطبيعة كل اقتصاد لكن السمة التي صاحبت هذه الاحداث عالميا على مستوى الاقتصاد الدولي هي حالة التضخم الذي وصفه تقرير صندوق النقد الدولي الصادر الشهر الماضي بوصف دقيق للغاية حين أطلق عليه وصف "التضخم العنيد".
وهذا الوصف الذي يعتبر دقيقا إلى حد كبير يرجع إلى استمرارية حالة ارتفاع الاسعارلما يزيد عن عامين وأيضا لتعدد اسباب ارتفاع التضخم ما بين إشكاليات تقليدية وأزمات إقليمية ووباء صحي عالمي هذا بالإضافة إلى عدم وجود رؤية واضحة بشأن روشته علاجية مضمونة لهذه الموجه التضخمية المستعصية عالميا.
وهو ما أكدت عليه الأرقام الواردة في تقرير صندوق النقد الدولي المذكور والذي ذكر أن مجمل الأرقام العالمية لمعدلات النمو الاقتصادية تعطي صورة متباينة وأحيانا متعارضة إلا أنها في كل الأحوال لا تدعو إلى كثير من التفاؤل فهي جميعا تؤدى إلى حالة التباطؤ في النمو العالمي ولذلك لم يتطرق التقرير إلى أي تغيير في توقعات الصندوق الصادرة في أبريل الماضي حول معدل نمو الناتج الإجمالي العالمي بنسبة 2.8%أي اقل من عام 2022 الذي بلغ 3.4%ويشير التقرير إلى أن هذا التباطؤ يرجع بشكل أساسي إلى انخفاض معدلات التصنيع العالمية من ناحية واستمرار ضعف معدلات التجارة العالمية من ناحية ثانية بالإضافة إلى استمرار الضغوط على القطاع المالي والأسواق العالمية بصفة عامة من ناحية ثالثة.
وفي ضوء هذه الأرقام اكد الصندوق على وصف حاله التضخم العالمي ب (التضخم العنيد) وبصفه عامة فإن التضخم هو من المشاكل الاقتصادية شائعة الانتشار بنسب مختلفة في اغلب الاقتصاديات وفي تعريفه البسيط أو الأكثر شيوعا فإنه عبارة عنارتفاع المستمر في المستوى العام في أسعار السلع والخدمات في دولة ما سواء كانت هذه السلع والخدمات محلية الصنع أو مستوردة وفي ضوء هذا التعريف لا تعتبر زيادة الأسعار على مستوى سلعة بعينها تضخما وانما يلزم أن تكون هناك زيادة مستمرة في متوسط أسعار السلع والخدمات بشكل عام حتى يمكن إطلاق مصطلح التضخم على ذلك.
وتتجسد خطورة التضخم بالآثار المترتبة عليه فهو يسبب قلق للمستثمرين لأنه ينطوي على نقص فعلى لقيمة اموالهم ويؤدي التضخم غالبا لتراجع الصادرات عن الواردات وبالتالي زيادة العجز في الميزان التجاري ومن أثاره أيضا انخفاض القوة الشرائية للمستهلكين وبالتالي تدهور مستويات المعيشة.
هذا التوصيف المبسط لمفهوم التضخم والذي يتم معالجته من خلال مجموعة من الأدوات المالية والنقدية من ناحية بالإضافة إلى اعتماد سياسات اقتصادية لزيادة الإنتاج والصادرات واتخاذ إجراءات لحماية المستثمرين وحماية المنظومات الاجتماعية من الآثار السلبية للتضخم من ناحية اخرى إلى أن الحاصل في حالة التضخم العالمي الراهنة انه لم تفلح معها أيا من هذه المعالجات وربما يرجع ذلك إلى عدد من الأسباب التي يمكن إطلاق صفة الاستثنائية عليها أهمها أن السبب الأول لهذه الحالة هو سبب غير اقتصادي بالمرة ويتمثل في وباء كورونا الذي امتدتاثاره من نهايات عام 2019 ليلتحق بالحرب الروسية الاوكرانية وتداعياتها والتي تمثل هي الأخرى حالة فريدة من النزاعات المسلحة فهو نزاع إقليمي جغرافيا وعالمي من حيث الامتداد والتأثير فأحد طرفيه هو ثاني اكبر قوة عسكرية ونووية في العالم وعلى الطرف الآخر دولة كانت تابعة له في يوم من الأيام لكنها اليوم تلقى مسانده من اكبر حلف عسكري في التاريخ (الناتو) واكبر قوى عسكرية ونووية عالمية (الولايات المتحدة الأمريكية) بالإضافة إلى دعم جيوسياسى غير محدود من دول الجوار الأوروبية هذا بالإضافة إلى كونه صراع مستمر وممتد.
وبطبيعة الحال فقد اكتسبت حالة التضخم خصائص منأهمها حالة الاستمرارية مع عدم القدرة على توقع مدى زمني لها بالإضافة إلى تعقد أسبابها ومن هنا فقد اكتسبت الحالة الراهنة صفة (العند) و (الاستدامة) وهو ما يجعل من الضروري أن تعمل المنظمات الاقتصادية العالمية وعلى رأسها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومجموعة السبعة ومجموعة العشرين بالإضافة إلى المجموعات الإقليمية على وضع خطة فعاله وتقليدية تتناسب مع طبيعة حالة التضخم الراهنة وخصائصها غير المعتادة بما يساهم على الاقل بتخفيف الضغوط مرحليا على الاقتصاديات النامية والفقيرة.