خفض الفائدة في مصر... بداية التعافي أم مخاطرة محسوبة؟

أخر تحديث 2025/06/03 10:23:00 ص
خفض الفائدة في مصر... بداية التعافي أم مخاطرة محسوبة؟

مع إعلان البنك المركزي المصري عن خفض أسعار الفائدة مرتين متتاليتين في أبريل ومايو 2025، بإجمالي 325 نقطة أساس، دخلت السياسة النقدية في مصر مرحلة جديدة تستهدف تحفيز النشاط الاقتصادي بعد فترة من التشديد الحاد فرضتها ظروف استثنائية مرت بها البلاد منذ أوائل 2022. هذه القرارات تطرح تساؤلات مهمة حول دلالاتها، توقيتها، وأثرها المتوقع على الاقتصاد الكلي، لا سيما في ظل حالة من الترقب لدى مجتمع الأعمال والمستثمرين.

يُعد قرار خفض أسعار الفائدة مؤشرًا قويًا على تغير في تقييم البنك المركزي للأوضاع الاقتصادية، وخصوصًا بشأن معدلات التضخم واستقرار سوق الصرف. فالتضخم الذي كان قد بلغ ذروته في منتصف 2023، عاد ليتراجع تدريجيًا، ليسجل 13.9% في أبريل 2025، مقارنةً بأكثر من 30% قبل أقل من عامين. وهو ما يعكس نجاح السياسات السابقة في امتصاص الصدمات الخارجية وتحقيق درجة من الاستقرار النقدي، مدعومة بتحسن ملحوظ في تدفقات النقد الأجنبي، خاصة بعد الاتفاقيات الاستثمارية الأخيرة مثل صفقة تطوير منطقة "رأس الحكمة".

من ناحية أخرى، فإن هذه الخطوة تعكس إدراكًا متزايدًا بضرورة إعادة تحفيز النمو، خاصة في القطاعات الإنتاجية والقطاع الخاص، الذي تأثر سلبًا بارتفاع تكلفة الاقتراض خلال الفترة الماضية. وقد أظهر الاقتصاد المصري إشارات إيجابية في هذا الصدد، حيث ارتفع معدل النمو إلى 5% في الربع الأول من 2025، مدفوعًا بتحسن في الأداء الصناعي والسياحي وزيادة الاستثمارات العامة والخاصة.

لكن أهمية القرار لا تقتصر على البُعد الاقتصادي فحسب، بل تمتد إلى البعد الاجتماعي أيضًا. فخفض الفائدة يخفف من الأعباء التمويلية على الشركات الصغيرة والمتوسطة، ويزيد من فرص خلق وظائف جديدة، ويعزز من قدرة المواطنين على الحصول على تمويلات استهلاكية وإسكانية بشروط أقل تكلفة. كما أن تقليل أسعار الفائدة يُخفف العبء على الموازنة العامة للدولة، إذ يقلل من كلفة خدمة الدين المحلي التي تمثل حصة كبيرة من الإنفاق الحكومي.

مع ذلك، تبقى هناك تحديات حقيقية لا يمكن تجاهلها. من أبرزها احتمال تراجع شهية المستثمرين الأجانب في أدوات الدين الحكومية، ما قد يضغط على سوق الصرف إذا لم يتم تعويض هذه التدفقات عبر قنوات أخرى مثل الاستثمار المباشر أو عائدات السياحة والصادرات. كما أن أي تسارع في وتيرة خفض الفائدة دون مبرر قد يعيد إشعال الضغوط التضخمية، خاصة إذا تزامن مع تحركات خارجية في أسعار السلع أو تغيرات في أسعار الفائدة العالمية.

ومن هنا، فإن نجاح هذه السياسة لن يتحقق فقط عبر أدوات البنك المركزي، وإنما يتطلب تنسيقًا كاملًا بين السياسات النقدية والمالية والاستثمارية. فالإصلاحات الهيكلية، وتبسيط الإجراءات، وتحسين بيئة الاستثمار، وتوفير الحوافز للقطاع الخاص، كلها عناصر مكملة لا غنى عنها لضمان استدامة الأثر الإيجابي لخفض الفائدة.

في الختام، يمكن القول إن البنك المركزي المصري اتخذ خطوة جريئة ومحسوبة في التوقيت المناسب، تعكس ثقة في قدرة الاقتصاد على استعادة زخم النمو، وتحقيق التوازن بين استقرار الأسعار وتحفيز الإنتاج. ولكن هذه الخطوة يجب أن تكون بداية لمسار أوسع من التنسيق والتكامل بين مختلف أدوات السياسات الاقتصادية، بما يحقق المصلحة الشاملة للاقتصاد والمجتمع.

مقالات الرأى المتعلقة

د. نرمين طاحون

محامية دولية، والمؤسس والشريك الإداري لمكتب طاحون للاستشارات القانونية. لأكثر من 25 عامًا، عملت طاحون كمحامية دولية لعدد من الشركات العالمية والمستثمرين، بالإضافة إلى الحكومة المصرية، وذلك قبل أن تؤسس مكتب طاحون للمحاماة عام 2009. شاركت في صياغة ووضع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مصر، وذلك خلال عملها مدير الشؤون القانونية لوحدة الشراكة بين القطاعين العام والخاص التابعة لوزارة المالية. كما حصلت على درجة الدكتوراه في التجارة الدولية والقانون التجاري من جامعة ميدلسكس بلندن.