آراب فاينانس: تعاني مصر من هجرة العقول خاصة في بعض التخصصات النادرة مثل تكنولوجيا المعلومات وبعض التخصصات الطبية والهندسية وهو ما يؤدي إلى استنزاف الموارد البشرية وتفريغ المجتمع من طاقاته ومبدعيه.
خبراء أكدوا في تصريحات لـ آراب فاينانس على ضرورة أن توفر الدولة الدعم الكاف للباحثين والكفاءات البشرية، لتحفيزهم على البقاء داخل البلاد للمساهمة في النمو الاقتصادي للمجتمع وتطوره على كافة المستويات..
هجرة العقول تؤثر على العديد من الخدمات في مصر
من جانبه قال الدكتور إبراهيم عوض مدير مركز دراسات الهجرة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة في تصريحات حصرية لـ آراب فاينانس إن هجرة العقول هي هجرة الكفاءات الرفيعة وذوى المهارات. كما تعرف أيضًا بهجرة حاملي الشهادات الجامعية، وهجرة العقول تعني هجرة من لديهم المعرفة والعلم ومن يساهمون في تنمية المجتمع، وإن كان لابد من الأخذ في الاعتبار هجرة بعض التخصصات من العمالة الماهرة في بعض التخصصات حيث إن الهجرة عملية انتقائية، ولدينا في مصر هجرة بعض التخصصات في مجالات الطب وتكنولوجيا المعلومات.
وأضاف عوض، أن هجرة العقول تؤثر على تقديم العديد من الخدمات في مصر خاصة في المجالات التي تعاني من العجز في بعض التخصصات مثل الطب والتمريض وهو أثر غير مستحب وبالتالي لابد من تحسين شروط العمل والأجور.
وأوضح عوض أن هناك بعض المهن التي عليها طلب خارج مصر مثل بعض التخصصات النادرة في المجال الطبي وهو ما قد يؤثر على الخدمات الصحية في الريف المصري لافتًا إلى أن الظروف الاقتصادية في مصر قد تدفع للبحث عن ظروف عمل أفضل من حيث الأجور والإجازات وغير ذلك من المزايا خاصة مع الأجور المرتفعة في دول الخليج وأوروبا والتي تغري الكثير من هذه العقول للحصول على هذه الفرص.
وأشار عوض إلى أن هناك تخوف من تلبية احتياجات السوق الخارجي من العقول الماهرة على حساب السوق الداخلي مشددًا على ضرورة الاهتمام بالتدريب والتعليم لتلبية متطلبات سوق العمل الداخلي والخارجي محذرًا من ترك الأمور بدون وضع سياسة لذلك لأن ذلك سيكون له آثار سلبية على التنمية وتلبية احتياجات السوق الداخلي.
ضآلة الفرص وتراجع الأوضاع الاقتصادية من أسباب هجرة العقول
ومن جانبه قال هاني سليمان الخبير في العلاقات الدولية، ومدير المركز العربي للبحوث والدراسات إن قضية هجرة العقول قضية متشابكة وظاهرة متنامية في دول الشرق الأوسط ومنها مصر، وذلك نتيجة ضآلة الفرص وعدم التقدير الكافي لهذه العقول، ويعود ذلك لتراجع الأوضاع الاقتصادية وعدم تشجيع الباحثين لتطوير أفكارهم وتراجع الأجور، والعوائد المادية لهم والمخصصات المالية المتاحة لقطاعات مهمة مثل الأطباء والمهندسين والتخصصات النادرة في بعض القطاعات الأخرى التي عليها طلب خارجيًا.
وأضاف سليمان، أنه يجب دعم الباحثين والمبدعين حتى لا تهاجر هذه العقول المبدعة للخارج وحتى لا تشعر هذه العقول بالتهميش مع ضرورة القضاء على الإجراءات المعوقة والبيروقراطية وإزالة القيود التي تعيقهم مثل إجراءات الحصول على براءات الإختراع على سبيل المثال. كما أن أحد أسباب هجرة العقول هو العروض المقدمة من الخارج لاجتذاب هذه العقول مما يفرغ المجتمع من طاقاته، وقد لاحظنا هجرة الكثير من الكفاءات الطبية في تخصصات نادرة خلال جائحة كورونا مما أثر على القطاع الطبي في مصر حيث هاجر العديد من الأطباء والممرضات والممرضين المصريين للخليج وبعض الدول الأوروبية.
وشدد سليمان، على ضرورة دعم الميزانيات المخصصة للبحث العلمي، وتشجيع الباحثين لتطوير أفكارهم خاصة في المجالات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي، وعلم الشرائح الإلكترونية وتوفير وتهيئة البيئة المناسبة للإبداع والتصنيع مشيرًا إلى أن هجرة هذه العقول يضيع المليارات من الدولارات على الدولة ويحرم المجتمع من مبدعيه في المقابل تستفيد الدولة المتقدمة من هذه النماذج الماهرة.
وطالب سليمان بضرورة وضع استراتيجية قومية لدعم الباحثين والمفكرين لوقف نزيف الهجرة للخارج مع وضع ميزانية قوية للبحث العلمي حيث لا تزال الميزانية المخصصة لهذا الغرض ضئيلة للغاية مع دعم الصناعة ووضع نظام اقتصادي يشجع على الإبداع والابتكار والتطوير.
لابد من وضع سياسات تضمن بيئة جاذبة للعقول والكفاءات الشابة
من جانبها قالت رابحة سيف علام الخبيرة في شئون الهجرة بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام إن مسألة هجرة الكفاءات أو العقول من أبرز مشكلات التنمية في دول الجنوب مثل مصر نظراً لتناقص معدلات النمو السكاني في دول الشمال حيث إن الطلب على المهاجرين من ذوي المهارات والعقول هو السياسة الأساسية لهذه الدول، وبالتالي تضع شروط ومحفزات لاستقطاب أفضل المهاجرين وأكثرهم مهارة وأفضلهم تعليما فعلي سبيل المثال في حالة حدوث تكتل جذب مهارات معينة تخسر الدول النامية هذه الكفاءات في القطاعات المستهدفة.
وأوضحت علام أنه من المهم لدول الجنوب مثل مصر أن تتحسب لأي نقص يصيب قطاعات معينة وتهدد وجود كفاءات أساسية فيها بحيث تضع سياسات تضمن بيئة جاذبة تسمح باستمرار العقول والكفاءات الشابة في هذه الدول، وهذا تحدي كبير للغاية كي لا تختل أي من القطاعات الحيوية في هذه الدول، وهناك تحدي آخر يتعلق بعقد شراكات مع مجموعات الشتات في الخارج لضمان شريان مستمر مع الوطن الأصلي، وهذا يضمن قدر من الترابط يوفر فرص تحويلات نقدية للدخل الي داخل الوطن، ويضمن أيضاً قدر من التواصل وتبادل الخبرات والفرص ونقل المعرفة من دول الشمال الي دول الجنوب عبر مجموعات الشتات والمهاجرين.
عوائد المصريين بالخارج لا تتناسب مع تكلفة الاستثمار في هذه العقول
من جانبها قالت الدكتورة يمن الحماقي رئيسة قسم الاقتصاد الأسبق بجامعة عين شمس إن الميزة الوحيدة لهجرة العقول المهاجرة هي تحويلات المصريين بالخارج والتي تصل لنحو 30 مليار دولار لكن في ذات الوقت سنجد أن هذه العوائد لا تتناسب مع التكلفة على هذه العقول التي استثمرت الدولة في تعليمهم وتدريبهم وتنمية قدراتهم.
وأضافت الحماقي أن ظاهرة هجرة العقول المهاجرة ظاهرة مؤلمة جدا خاصة أن الذي يستفيد من قدرات ومؤهلات أبنائنا الذين استثمرنا في تعليمهم وتنمية مهاراتهم دول أخرى خاصة في ظل مناخ سئ وغير جاذب لهم وتوفير الفرص الجاذبة لهم للبقاء والعمل داخل البلاد.
وأوضحت الحماقي أن النظام المؤسسي لدينا لا يحسن الاستفادة من الموارد البشرية الماهرة وهو ما يؤدي إلى أن الأشخاص الماهرين يجدوا المناخ في مصر غير إيجابي وبالتالي يكن رد فعل ذلك هو الهجرة للعمل بالخارج نتيجة الطلب عليهم حيث هناك استقطاب واضح لهذه الكفاءات.
وأشارت الحماقي إلى أن غياب هذه الكفاءات في مصر يؤثر على قدرة التنافسية للمنتجات المصرية لرفع كفاءة الصادرات والمنتجات المصرية وهذه تعد إحدى التحديات التي تواجه التنافسية لمنتجاتنا بالخارج خاصة في مجال التكنولوجيا لرفع جودة السلع والمنتجات المصرية لأن من التكنولوجيا تنقل من خلال هذه العقول الماهرة وينبغي على الدولة كسر هذه الحلقة من خلال وضع مؤشرات للأداء مع وضع نظام للحوافز للموارد البشرية وعلى سبيل المثال فقد حققت الصين وكوريا التقدم من خلال رفع كفاءة المؤسسات الحكومية ووضع الحوافز لجذب الكفاءات التي درست بالخارج لنقل التكنولوجيا والعلوم والخبرات التي اكتسبوها بالخارج إلى مصر.
لابد من وضع استراتيجية للحد من ظاهرة هجرة العقول
من جانبه قال الدكتور أيمن زهري رئيس ومؤسس الجمعية المصرية لدراسات الهجرة إن معظم تحويلات المصريين للخارج لا يتم استثمارها في قطاعات إنتاجية وأن معظمها يستغل في سلوكيات استهلاكية لافتًا إلى أن هذه التحويلات زادت مؤخرا نتيجة استقرار سعر الصرف في السوق المصري والقضاء على السوق الموازي للدولار وهو ما سمح بزيادة وتدفق هذه الأموال عبر المصارف الرسمية للدولة خاصة بعد التعويم الأخير للجنيه المصري.
وأوضح زهري أن الآيادي الماهرة من العقول المهاجرة خارج البلاد تساهم بشكل كبير في ضخ المزيد من هذه الأموال لكن في ذات الوقت هي تؤدي إلى عجز في بعض التخصصات والقطاعات في مصر وهو ما يتطلب وضع استراتيجية لوضع حد لهذه الظاهرة وكذلك ضخ المزيد من الاستثمارات في التعليم والتدريب والبحث العلمي.
وأشار زهري أن هناك طلب عالمي على بعض التخصصات في مجالات التكنولوجيا والطب والتمريض وبعض التخصصات الهندسية وهو ما يمثل فرصة لهذه الكفاءات خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية والتي لا توفر لهم مزايا الفرص للعمل بالخارج نتيجة انخفاض الأجور في مصر لهذه التخصصات.
ويعد القطاع الطبي أحد أبرز القطاعات التي تشهد هجرة الأطباء والممرضين حيث علق الرئيس عبد الفتاح السيسي، في وقت سابق على هجرة الكثير من الأطباء في الفترة الأخيرة من مصر، موضحاً أن الرواتب التي يحصلون عليها في مصر "لا تناسبهم"، موجهاً في نفس الوقت بضرورة فتح الباب لقبول عدد أكبر من طلاب كليات الطب بالجامعات المصرية لتعويض العجز.
وبدأت الحكومة المصرية، منذ مارس الماضي، تطبيق حزمة الحماية الاجتماعية التي أعلن عنها السيسي؛ للأطباء وأعضاء المهن الطبية وهيئات التمريض، التي تضمنت تخصيص 4.5 مليار جنيه لإقرار زيادة إضافية لأعضاء المهن الطبية وهيئات التمريض، تتراوح من 250 إلى 300 جنيه في بدل المخاطر للمهن الطبية، وزيادة تقترب من 100% في بدل السهر والمبيت.
وتضمنت التوجيهات الرئاسية كذلك، تخصيص 1.6 مليار جنيه لإقرار زيادة إضافية لأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم بالجامعات والمعاهد والمراكز البحثية، إلى جانب 6 مليارات جنيه لتعيين 120 ألفاً من أعضاء المهن الطبية والمعلمين والعاملين بالجهات الإدارية الأخرى، وتخصيص 15 مليار جنيه زيادات إضافية للأطباء والتمريض والمعلمين وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات.
وقال وزير الصحة، خالد عبد الغفار، في وقت سابق، إن "تعليم الطبيب الواحد يُكلف الدولة ما بين 55 ألفاً إلى 70 ألف جنيه"، مضيفاً: "نحن في النهاية بشر، والطبيب يهاجر حينما تتاح له فرصة أفضل".
وأشار عبد الغفار، إلى أن الدولة توسعت في افتتاح كليات الطب خلال الفترة الماضية، موضحاً أنه تم إنشاء ما يقرب من 9 كليات طب جديدة خلال الأعوام الماضية.
وذكر تقرير أصدرته سلطات القوى العاملة البريطانية في عام 2022، أن مصر احتلت المرتبة الثالثة بين أكثر الدول التي يهاجر منها الأطباء إلى بريطانيا.
وأشار التقرير إلى أن أعداد الأطباء المصريين المهاجرين إلى بريطانيا ارتفعت بنسبة 200% في الفترة بين عامي 2017 و2021.
وزادت تحويلات المصريين العاملين بالخارج، للشهر السادس على التوالي، خلال أغسطس الماضي لتسجل 2.6 مليار دولار بزيادة سنوية 65.5%، ليرتفع إجمالي التحويلات إلى 18.1 مليار دولار خلال الفترة من يناير إلى أغسطس بنسبة نمو سنوي 36.4%، وفق بيان رسمي للبنك المركزي.