آراب فاينانس: أكد الدكتور أحمد الخضراوي أستاذ الاقتصاد، وعميد كلية إدارة الأعمال بجامعة النهضة على امتلاك مصر عدد من المزايا الاقتصادية ينبغي استغلالها مشددًا على أن مصر لديها الكثير من القطاعات التي تمتلك فيها مزايا نسبية كما يمكن خلق مزايا تنافسية مع توطين بعض الصناعات في مصر إذ تتمتع مصر بأيدي عاملة منخفضة التكلفة وهو ما يشجع المستثمرين للاستثمار في مصر وهو ما يزيد من الصادرات المصرية للخارج ويقلل من الواردات ما سيعمل في النهاية على تحسين الميزان التجاري لصالح مصر.
وأضاف الخضراوي في مقابلة حصرية لـ آراب فاينانس أنه لا سبيل لمصر للخروج من أزمتها الاقتصادية سوى من خلال الإنتاج وتشجيع الاستثمار والتصدير مطالبًا بضرورة توطين بعض الصناعات في مصر والتي تتميز بها الدولة بمزايا نسبية وتنافسية، وإلى نص الحوار:
كيف ترى الفرص الاستثمارية المتاحة حاليًا أمام مصر في ظل الظروف الاقتصادية الحالية؟
مصر دولة موقعها الجغرافي مميز للغاية، ويمثل الموقع الجغرافي المصري وحده جزء مهم من نجاح أي خطة اقتصادية يتم وضعها فنحن في قلب العالم، ولنا شواطئ هائلة على البحرين الأحمر والمتوسط، فضلًا عن الموارد المائية الهائلة، وكذلك الموارد البشرية الكبيرة، والأيدي العاملة عالية المهارة، ومنخفضة التكلفة، وكلها عوامل تساهم في نجاح الخطط الاقتصادية لكن للأسف مصر دولة مثقلة بالأعباء والديون، وأود أن أؤكد هنا أنه في ظل الخطة التنموية التي تتبعها الدولة حاليًا في كل المجالات، فوجئنا بالتغيرات الجيوسياسية مثل الحرب الروسية الأوكرانية، وقد تحملنا خلالها الكثير من الصدمات الاقتصادية. كما ظهرت أزمة جائحة فيروس كورونا قبلها واستطعنا تجاوزها لكن الحرب في غزة والتوترات في مضيق باب المندب أثر بشكل كبير على عائدات قناة السويس، والتي تمثل مورد هام وأساسي من الموارد الدولارية للدولة المصرية.
كما أنه من الضروري خلال تلك الفترة الصعبة أن يتكاتف الشعب مع الدولة، والقيادة السياسية لأننا نواجه تحديات كبيرة وهذه التحديات تستلزم أن يقف الجميع مع الدولة ويدعمها.
كيف ترى هذه الصدمات الاقتصادية التي تتعرض مصر حاليًا وتأثيرها على الاقتصاد؟
هذه الصدمات الاقتصادية، مثل حرب غزة ولبنان وغيرها من التحولات الجيوسياسية التي تحدث بالمنطقة لها تأثير كبير على مصر، رغم أننا لسنا السبب في تلك الأزمات الجيوسياسية حيث توجه لمصر ضربات وصدمات اقتصادية من الخارج لا شأن لنا بها، ولسنا سبب فيها ما يتسبب في الكثير من المعوقات لتحقيق الأهداف الاقتصادية التي تضعها مصر، وبالتالي نحتاج إلى إرادة وقوة لتحقيق هذه الخطط والأهداف الاقتصادية.
تعاني مصر حاليًا من موجات تضخمية كبيرة أثرت على ارتفاع الأسعار ومعاناة الكثير من المواطنين.. كيف ترى التعامل مع التضخم الحالي؟
مشكلة مصر أن التضخم الحالي الذي تعاني منه هو نتيجة أكثر من جانب أهمهم ما يحدث حولنا من متغيرات فضلا عن أننا دولة نستورد أكثر مما نصدر، وبالتالي يكون هناك شئ من الهشاشة الاقتصادية تجاه أي تغيرات تحدث بالعالم الخارجي حيث تؤدي تلك التغيرات لرفع معدلات الاستيراد، وتكلفته كما لدينا أزمة دولارية تحاول مصر مواجهتها بأكثر من طريقة من خلال الاقتراض ثم تبدأ الديون تتراكم وتزيد ومن ثم ترتفع الأسعار، وهذه الموجات التضخمية المتتالية تلك تحتاج من الدولة أن تنظر بكل جدية للاستثمار، وعلاج كل معوقات الاستثمار، وجذب جميع أنواع الاستثمار سواء استثمار مباشر أو غير مباشر لأنه لا سبيل للدولة المصرية للخروج من أزمتها الاقتصادية الحالية سوى بالإنتاج والتصدير، وتشجيع الاستثمار بجميع أنواعه سواء المحلي أو الخارجي أو المباشر وغير المباشر.
ما هى القطاعات التي يجب أن تركز عليها خطة الدولة الاقتصادية لتحقيق هذا الهدف وهو الخروج من الأزمة الاقتصادية؟
لدي مصر الكثير من القطاعات التي تمتلك فيها مزايا تنافسية ونسبية كما يمكن خلق مزايا تنافسية مع توطين بعض الصناعات في مصر إذ تتمتع مصر بأيدي عاملة منخفضة التكلفة، وهو ما يشجع المستثمرين للاستثمار في مصر، وهو ما يزيد من الصادرات المصرية للخارج، ويقلل من الواردات ما سيعمل في النهاية على تحسين الميزان التجاري لصالح مصر.
كيف ترى دور المشروعات الصغيرة والمتوسطة في دفع النمو الاقتصادي للاقتصاد المصري؟
المشروعات الصغيرة والمتوسطة والناشئة لها دور كبير في دعم النمو الاقتصادي خاصة مع ضرورة توافر تمويل ضخم لتأسيس الشركات الكبيرة كما تحتاج لوقت طويل، وأرى أن النجاح والنمو الاقتصادي سيتحقق من خلال التركيز على الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وهناك ما يسمى بـ العنقود الصناعي فعلي سبيل المثال صناعة مثل صناعة الأحذية تعد من الصناعات الناجحة في دول مثل إيطاليا والبرازيل، وهذا النموذج هو عبارة عن مجمع كبير جدًا، وبه كل ما يتصل بصناعة الأحذية بداية من المصنع الصغير الذي يصنع رباط الحذاء حتى المزرعة الصغيرة التي تربي مجموعة من الأبقار للحصول على الجلود اللازمة لصناعة الاحذية، فضلا عن مسالخ الجلود وغيرها من لوازم هذه الصناعة المهمة ثم يأتي مصنع كبير في النهاية لتجميع كل ذلك ليخرج في النهاية الحذاء بجودة عالية، وهو ما يخدم الاستدامة والتطور والنمو الاقتصادي والتصدير وهذا نموذج من النماذج التي يمكن أن تتبعها مصر، وسنرى أن نموذج مثل ذلك هو قائم على الصناعات الصغيرة في الأساس وارتبطت جميعها بعنقود صناعي ليخرج في النهاية منتج مترابط وكامل وذو جودة عالية يمكن تصديره وتحقيق النجاح الاقتصادي من خلاله.
مصر تتميز في عدد من الصناعات مثل الملابس الجاهزة.. كيف ترى هذا السوق وفرص مصر به؟
مصر لديها قدرات كبيرة لكن تواجه في هذا السوق، وهو سوق الملابس الجاهزة بمنافسة شديدة للغاية من دول مثل بنجلاديش وتركيا، وهى دول ناجحة جدًا في قطاع تصدير الملابس الجاهزة ومصر لم تستغل إمكانياتها في هذا السوق حيث لا تزال الصادرات المصرية في سوق الملابس الجاهزة لا يتجاوز 2.5 مليار دولار، وما نحتاج إليه هو وضع خطط جيدة مع وضع خطوات جادة لتنفيذها والوصول بجودة المنتجات المصرية للمنافسة الخارجية والتصدير.
هل تحتاج مصر إلى خريطة استثمارية واضحة لوضعها أمام المستثمرين الراغبين للاستثمار بالدولة المصرية؟
بالطبع مصر تحتاج لوضع خريطة استثمارية أمام المستثمرين لأن أي مستثمر سيأتي للاستثمار في مصر يريد أن يتعرف على المؤشرات الاقتصادية مثل مؤشرات الفساد وإجراءات الحوكمة، والتسهيلات الممنوحة للمستثمر لجذبه، وتشجيعه على الاستثمار في مصر. كما يجب تفعيل وتطبيق منظومة الشباك الواحد التي يتم تداولها منذ 30 عامًا، وإن كان هناك جهود من الدولة تتعلق بمنح الرخصة الذهبية للمستثمرين لكننا نسير ببطء شديد في دعم الاستثمار والصادرات كما ينبغي وضع خريطة استثمارية للصناعات التي ترغب مصر في توطينها مع وجود رؤية استراتيجية لفترات محددة قد تصل لـ 5 سنوات أو 10 سنوات وكل تلك العوامل تخدم الإنتاج والصناعة والاستثمار في النهاية ومن ثم زيادة حجم التصدير وتقليل الواردات وتوفير النقد الأجنبي والسيولة الدولارية للبلاد.
مصر تعاني من عجز شديد في الميزان التجاري كيف نقلل هذه الفجوة؟
مصر دولة تعاني من عجز هيكلي في ميزانها التجاري منذ أكثر من 50 عامًا، وفي الموازنة العامة للدولة، والإشكالية هنا أن الجزء الأكبر من الإنفاق الحكومي في الموازنة العامة للدولة يصرف على بند الأجور والمرتبات في المقابل الضرائب تمثل نسبة كبيرة من العائدات والإيرادات والدولة بدأت تتجه مؤخرَا للإصلاح الضريبي، ومواجهة مشكلات التهرب الضريبي والدولة تحتاج حاليًا إلى التخفيف من تدخلها في منافسة القطاع الخاص، ومزاحمته وتترك القطاع الخاص كي يعمل بحرية وتتفرغ الدولة لدورها الرئيسي.
أخيرًا ما هى الحلول التي تراها لدفع معدلات النمو الاقتصادي في مصر؟
النمو الاقتصادي في مصر يحتاج إلى الاهتمام بشكل كبير بقضية التعليم، وهو استثمار طويل الأجل ولابد من اتخاذ إجراءات واستراتيجيات واضحة بداية من الاهتمام بالتعليم الأساسي وحتى التخرج من الجامعة مع وضع المستهدفات الرئيسية لخريج الجامعة الذي نريده لدينا في مصر وتحديد المخرجات التعليمية التي نريدها من الطالب الجامعي وأين سيعمل وماذا نريد منه وكل تلك الأمور يجب أن تكون واضحة فما يتم إنفاقه على التعليم ضئيل للغاية لا يعادل 2% من الموازنة العامة للدولة مقارنة بدول مجاورة تنفق نحو 50% من موازنتها على التعليم.
ثانيَا يجب الاهتمام بقطاعي الصناعة، والاستثمار مع تحفيز وتشجيع الصادرات، والخروج من الحلول التقليدية لتنمية موارد الدولة الدولارية مثل تحويلات المصريين بالخارج وغيرها حيث نحتاج إلى تنويع مصادر الدخل حتى لا نتأثر بشكل كبير بالصدمات الاقتصادية في حالة حدوث أزمة في أي من مواردنا الدولارية فيجب ألا نعتمد على موارد محدودة للعملة الصعبة بل لابد من تنويع هذه المصادر للدخل فنحن على سبيل المثال نعاني من ضعف شديد في الموارد الدولارية والعملة الصعبة للسياحة رغم أننا لدينا أكثر من ثلثي آثار العالم لكننا لا نسوق لذلك جيدا، ولا نستغله فإيرادتنا من السياحة على سبيل المثال لا توازي 10% من قيمة عائدات السياحة بتركيا رغم أننا لدينا الكثير من المزارات السياحية المتنوعة والدليل على ضرورة عدم الاعتماد على موارد بعينها ما حدث من اضطرابات في مضيق باب المندب وتأثيره على عائدات قناة السويس حيث انخفضت عائدات قناة السويس بنسبة تصل لنحو 40% عندما تأثرت حركة السفن بالتوترات بمضيق باب المندب كما أن صادراتنا لاتزال ضعيفة للغاية ومرتبطة ببعض المنتجات الموسمية فنحن نحتاج لاستراتيجيات واضحة للصناعة والتعليم والصحة في مصر وبخلاف ذلك ودون وضع هذه الاستراتيجيات لن يحدث تغيير.