إشكالية زراعة القمح أم البرسيم.. كيف ترسم مصر خريطتها الزراعية؟

أخر تحديث 2025/02/25 04:05:00 م
إشكالية زراعة القمح أم البرسيم.. كيف ترسم مصر خريطتها الزراعية؟

آراب فاينانس: تعاني مصر من إشكالية جدلية بين الباحثين، والمتخصصين في مجال المحاصيل الزراعية، وهى المفاضلة بين التوسع في زراعة القمح المحصول الغذائي الاستراتيجي لمصر أو زراعة البرسيم المصحول الرئيسي لتغذية الثروة الحيوانية. تلك الإشكالية طرحها آراب فاينانس على الخبراء والمتخصصين في المجال الزراعي.. فماذا قالوا؟

من جانبها قالت الدكتورة عقيلة صالح حمزة، مؤسسة المركز الإقليمي للأغذية والأعلاف بمركز البحوث الزراعية بوزارة الزراعة، ومنسق مركز معلومات الأمن الغذائي في تصريحات حصرية لـ آراب فاينانس إن هدف زيادة المساحة الزراعية من القمح مر بخطط كثيرة حيث يكون لكل وزير زراعة سياسة معينة يطبقها وفق أهداف كل مرحلة وحسب احتياجات الدولة وأهدافها، لافتة إلى أنه لا يمكن تحقيق اكتفاء ذاتي من القمح بنسبة 100% لكن يمكن زيادة المساحة المنزرعة منه لتخفيض الاستيراد من هذا المحصول الاستراتيجي، وتقليل الفجوة الغذائية.

وأضافت حمزة، أن كلا المحصولين القمح والبرسيم من المحاصيل الشتوية، ولابد من حدوث التوازن بينهما وفق احتياجات الاستهلاك المحلي.

وأوضحت حمزة، أن الدولة وضعت خطط مؤخرًا لزيادة المساحة الزراعية من خلال جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة والذي يستهدف زراعة 4.5 مليون فدان فيما يعرف بالدلتا الجديدة، وهو ما سيسمح بزيادة المساحة الزراعية من القمح والبرسيم أيضا فضلا عن المحاصيل الزيتية التي تعاني مصر من عجز بها يصل لنحو 90%، لافتة إلى أن هذا المشروع الدلتا الجديدة يمكن أن يحقق التوازن بين المحصولين لتوفير احتياجات مصر من القمح، وكذلك احتياجات الأعلاف الحيوانية مثل البرسيم.

ينبغي توفير منصة لإتاحة البيانات الزراعية

وطالبت حمزة، بضرورة توفير وإتاحة البيانات الزراعية، وتدشين منصة للبيانات الزراعية تساهم في تحليل البيانات وتساعد متخذي القرار مشددة على أنه ينبغي التنسيق بين الجهات المختلفة حتى لا يحدث تضارب في هذه البيانات إذ من الملاحظ وجود تضارب في البيانات نتيجة عدم التشبيك والتنسيق بين الجهات الحكومية المصدرة للبيانات الزراعية.  

الاستفادة من التكنولوجيا في المجال الزراعي

وأكدت حمزة، أنه يمكن الاستفادة من التكنولوجيا وتطويعها لزيادة الإنتاجية الزراعية بخلاف التوسع الأفقي عبر استصلاح الأراضي من خلال زيادة إنتاجية الفدان المنزرع من القمح والبرسيم، وذلك عبر زيادة الإنفاق على البحث العلمي الزراعي.

بينما قال الدكتور يحيى متولي خليل، أستاذ الاقتصاد الزراعي بالمركز القومي للبحوث إن مصر زرعت العام الماضي نحو 3 مليون فدان من القمح بينما تستهدف تحقيق 3.8 مليون فدان من القمح خلال الموسم المقبل في حين تزرع مصر نحو 2.5 مليون فدان من البرسيم وهو ثاني أكبر مساحة زراعية بعد القمح في مصر خاصة مع العجز في الأعلاف الحيوانية منوهًا بأن هناك منافسة كبيرة بين محصولي القمح والبرسيم فكلاهما محصول شتوي والاثنين ليسوا من المحاصيل الشرهة للمياه حيث يستهلك محصول القمح 2.5 ألف متر مكعب من المياه وهكذا البرسيم يستهلك ذات الكمية.

 وأشار خليل إلى أن الإشكالية هنا هو أن هناك طلب على البرسيم الذي يستخدم كعلف حيواني مع ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء كما يعد محصول القمح من المحاصيل الغذائية الاستراتيجية التي تشجع الدولة المزارعين على زراعتها.

وأضاف خليل أن إنتاجية الماشية المصرية تعد ضعيفة مقارنة بإنتاجية الماشية الأجنبية ذات السلالات المميزة، وذلك نتيجة التقدم العلمي في هذا المجال بالخارج خاصة في مجال تطوير السلالات لذلك لابد من ضخ المزيد من التمويل لتطوير البحث العلمي في هذا المجال لزيادة الإنتاجية الحيوانية للماشية المصرية، وكذلك الزراعية من محصول القمح.

 واختتم قائلًا: إن أزمة الحبوب ظهرت بشكل كبير في مصر مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية حيث حدث عجز في سلاسل الإمداد نتيجة هذه الحرب باعتبار مصر أكبر مستورد للقمح من روسيا وأوكرانيا حيث تعد الدولتان من أقرب الدول التي يمكن لمصر أن تستورد منهما الحبوب نظرًا لانخفاض تكاليف الشحن والنقل مقارنة بدول أخرى.

التوجه نحو الزراعة في أفريقيا

من جانبها طالب الدكتورة سهام مروان، أستاذ الاقتصاد الزراعي بكلية الزراعة جامعة عين شمس، بالتوجه للزراعة في بعض الدول الأفريقية القريبة من مصر مثلما فعلت الكثير من الدول الخليجية مثل السعودية والإمارات حيث يمكن الاستفادة من هذه التجارب خاصة مع العجز في حصة الفرد من المياه في مصر، والتي تصل لنحو 600 متر مكعب من المياه بينما يصل الحد الأدنى عالميًا لـ ألف متر مكعب سنويًا، وذلك لسد العجز في بعض المحاصيل الاستراتيجية المصرية مثل القمح وكذلك محصول البرسيم ومواجهة نقص المياه.

وأكدت مروان، على أن مصر لها علاقات قوية مع العديد من الدول الأفريقية التي تتمتع فيها الأراضي بالخصوبة، فضلا عن توافر المياه بكميات كبيرة هناك مع ضرورة تشجيع البحث العلمي الزراعي لزيادة الإنتاجية، واستخدام التكنولوجيا لمواكبة أحدث التقنيات الزراعية لتوفير المياه واستخدام أساليب الري الحديثة.

وأشارت مروان إلى أن الأمن الغذائي لا يعني التزام الدولة بإنتاج الغذاء لكن يعني توفيره بأي وسيلة كانت من خلال الإنتاج أو الاستيراد أو المعونات الخارجية حيث إن هناك دول تصدر الفواكه والخضروات لتستورد الحبوب والزيوت مثل مصر وتونس والمغرب.

مشروع الدلتا الجديدة

وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد أصدر قراراً بإنشاء جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، يختص بإنشاء مشروعات استصلاح متكاملة تضم أنشطة زراعية وتصنيع غذائي ولوجستي للتداول والتخزين ومزارع للثروة الحيوانية والداجنة وكذلك تنمية عمرانية.

وبدأ جهاز مستقبل مصر العمل بتنفيذ 7 مشروعات للاستصلاح الزراعي بداية من منطقة الدلتا الجديدة، مروراً بالمنيا وبني سويف والفيوم، وصولا إلى أسوان والداخلة والعوينات مستهدفاً زراعة 4.5 مليون فدان بحلول عام 2027.

وتخطط مصر إلى زيادة الإنتاج الزراعي في البلاد عبر التوسع الرأسي لرفع إنتاجية الفدان الواحد أو التوسع الأفقي باستصلاح أراضٍ جديدة لزيادة المساحة المنزرعة، بهدف توفير احتياجات السوق المحلي من المحاصيل الأساسية لخفض فاتورة الواردات، ومن الخضراوات والفاكهة بأعلى جودة وأسعار مناسبة للتخفيف عن المواطنين.

إجمالي الواردات المصرية من القمح

وسجل إجمالي الواردات المصرية من القمح ارتفاعا ملحوظا خلال الفترة من يناير وحتى أكتوبر الماضي 2024، وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، حيث تجاوز إجمالي الواردات حاجز الـ3 مليارات دولار.

وأظهرت بيانات الجهاز، أن إجمالي الواردات المصرية من القمح سجلت نحو 3 مليارات و727 مليون دولار خلال الـ10 أشهر الأولى من عام 2024، بينما كانت نحو 3 مليارات و136 مليون دولار في الفترة المناظرة لها من عام 2023، بزيادة بلغت نحو 590 مليون و914 ألف دولار.

وجاءت بيانات واردات القمح ضمن قائمة أهم الواردات المصرية من المواد الخام، والتي بلغت قيمتها الإجمالية نحو 9 مليارات و342 مليون دولار خلال الـ10 أشهر الأولى من عام 2024، مقابل 8 مليارات و798 مليون دولار في نفس الفترة من العام السابق له 2023، بزيادة بلغت نحو 544 مليون و327 ألف دولار.

وفى شهر أكتوبر الماضي، سجل إجمالي واردات مصر من القمح نحو 247 مليون و173 ألف دولار، بينما كانت نحو 227 مليون و820 ألف دولار في نفس الشهر من العام السابق له 2023، بزيادة بلغت 19 مليون و353 ألف دولار.

أخبار متعلقة