عقيلة صالح مؤسسة المركز الإقليمي للأغذية: ندرس إنشاء منصة إلكترونية لإتاحة بيانات الأمن الغذائي

أخر تحديث 2025/03/06 12:58:00 م
عقيلة صالح مؤسسة المركز الإقليمي للأغذية: ندرس إنشاء منصة إلكترونية لإتاحة بيانات الأمن الغذائي

آراب فاينانس: تعد الدكتورة عقيلة صالح حمزة، المؤسسة الرئيسية للمركز الإقليمي للأغذية والأعلاف بوزارة الزراعة، نموذجًا للمرأة المصرية التي لا تعرف المستحيل فقد نقلت تجربة المعامل الدولية في مجال الأغذية والزراعة إلى مصر مستعينة بتجارب دولية خلال سفرها للدراسة بالخارج بالدانمارك. كما نقلت تجربة أمريكا في الرقابة على الغذاء لتؤسس أحد أكبر المراكز الإقليمية المعتمدة دوليًا في الرقابة على الأغذية والأعلاف، يلتقي آراب فاينانس في شهر مارس شهر تكريم المرأة بأبرز المؤثرات في مجالهن، وفي الحياة المصرية بشكل عام، ومنهم الدكتورة عقيلة صالح حمزة مؤسسة المركز الإقليمي للأغذية والأعلاف والمنسق العام لمركز معلومات الأمن الغذائي، وإلى نص الحوار:

حدثينا في البداية عن مسيرتك المهنية التي تمتد لأكثر من 70 عامًا؟

مسيرتي العلمية في البداية أنني خريجة كلية الزراعة جامعة القاهرة عام 1955، وبعد ذلك حصلت على الماجستير من جامعة الإسكندرية قسم صحة عامة تغذية إنسان ثم بعد الحصول على الماجستير أردت تسجيل الدكتوراة في مجال الزراعة تغذية إنسان فعلمت أن هذا التخصص غير موجود بكلية الزراعة في هذا التوقيت بينما يوجد فقط أقسام تغذية الحيوان وتغذية الدواجن وتكنولوجيا الأغذية، فوجدت صعوبة في تسجيل الدكتوراة في الجامعات المصرية، لكني لم أستسلم بسهولة، وتشاورت مع أساتذتي فأكدوا لي أنني مسموح لي فقط بتسجيل الدكتوراة في قسم علوم وتكنولوجيا الأغذية، وهو الأقرب لقسم تغذية الإنسان وحصلت على بعض الكورسات في هذا العلم لتسجيل الدكتوراة به، وهو ما عطلني نحو 3 سنوات للتسجيل بين الماجستير والدكتوراة، وبالفعل سجلت الدكتوراة بكلية الزراعة، وحصلت على الكورسات المطلوبة، وجاء توقيت الممارسة العملية للدكتوراة لأكتشف هنا أنه لا يوجد في مصر أي إمكانات أو جهاز أعمل عليه في كلية الزراعة جامعة القاهرة أو أي كلية زراعة في الجامعات الأخرى داخل مصر أو حتى في المراكز البحثية داخل مصر لأن موضوع رسالتي أنني لابد أن أقوم بإجراء تحاليل متقدمة في مجال الغذاء، وتوقفت فترة وحزنت لأنني لم أكمل الدكتوراة.

ماذا فعلتي إذن لتواجهي هذا التحدي؟

في الحقيقة الأسرة وقفت بجواري، وهى أسرة متفتحة وأفقهم واسع فوجدوا الحل في السفر للخارج من أجل الدراسة، وكان أمامي خيارين من الدول إما دولة الدانمارك أو دولة هولندا وهما الدولتان اللاتي بهما تقدم في مجال الزراعة، وفي الحقيقة سافرت الدانمارك على نفقة الأسرة وذهبت لإحدى المعاهد الدانماركية التي بها الأجهزة التي سأحتاجها في الدكتوراة ، وقد سافرت، ومعي كافة الشهادات التي حصلت عليها مترجمة ومعتمدة من وزارة الخارجية المصرية، وقد طلبت من إدارة المعهد التدريب على أحد الأجهزة، وسمحوا لي بالتدريب فعلًا وبعد 15 يومًا من وجودي في المعمل، وأثناء مرور الأستاذ الدكتور الذي يدير المعهد قال لي انتي شاطرة جدًا فقلت له كيف عرفت ذلك؟ فأخبرني أن رئيس القسم كتب تقرير بشأنك بأنك سريعة التعلم وأن ما يتعلمه زملائك في شهرين انتي تعلمتيه في أسبوعين، وانتي متميزة، وسألني في النهاية عما كنت قد أنهيت أهدافي البحثية فأخبرته بأنني أريد استكمال درجة الدكتوراة، وفوجئت بعد ثلاثة شهور أن مدير المعهد طلب لي منحة للحصول على الدكتوراة من مؤسسة دانيدا، وهى مؤسسة تابعة للخارجية الدانماركية المسئولة عن المنح الدراسية هناك وأخبرني أنه فعل ذلك لتميزي الدراسي وأجريت أبحاثي خلال فترة المنحة، وشحنت العينات البحثية من مصر إلى الدانمارك لإجراء البحوث عليها وبعدها انتقلت لمعهد أخر فيه إمكانات أكثر كنت في حاجة لها بأبحاثي.

ما تقييمك للفترة التي قضيتيها في الخارج؟

لقد فوجئت خلال تلك الفترة بإتاحة جميع الإمكانات البحثية لي، وقد امتدت المنحة لي بعد أن كانت عام فقط لأستكمل الدكتوراة، وبعد حصولي على الدكتوراة طلبوا مني الإقامة بالدانمارك والعمل هناك لكني رفضت، وأخبرتهم أنني أريد نقل التجربة لبلادي، وكان لدي إحساس أنني أريد أن أقدم تجربة مثل التي رأيتها بالدانمارك.

ما السبب الرئيسي الذي جعلكي ترفضين مثل هذه الفرصة؟

في الحقيقة هما سببين السبب الأول والدتي التي كنت أريد أن أعود إليها لكبر سنها، وتقدمها في العمر، والسبب الثاني أنني أريد نقل هذا التقدم العظيم لمصر في هذا التخصص رغم أنني سافرت أصلا نتيجة وجود تعقيد في النظم الإدارية والبيروقراطية الكبيرة داخل مصر، وقد وجدت فرقًا كبيرًا بين مصر والدانمارك من حيث البيئة المهيئة للباحثين للتميز والقدرة على الإبداع حيث لا يعيق الباحثين هناك القيود الإدارية والبيروقراطية، فشعرت أن هذا هو سر تقدمهم وهو القدرة على الإدارة والسهولة والمرونة الإدارية بعيد عن التعقيدات الإدارية لذلك هم متقدمين جدًا عنا.

كيف بدأت فكرة نقل هذه التجربة من الدانمارك إلى مصر؟

بدأت فكرتي عندما سألوني بعد رفضي الإقامة بالدانمارك كيف يمكن أن نساعدك؟ فأخبرتهم أنني أريد إنشاء معمل صغير في مصر، وبالفعل درسوا الأمر، وكانوا مقدرين لي بشكل كبير حيث قابلني وكيل وزارة الخارجية الدانماركية، وحاول إقناعي بالبقاء في الدانمارك، والعمل هناك ومع إصراري على رغبتي العودة لمصر درسوا فكرتي بمحاولة إنشاء معمل مماثل للمعامل الدانماركية في مصر، وفي الحقيقة جاءوا مصر لمناقشة الأمر مع المسئولين في مصر، وكان وقتها الدكتور يوسف والي وزير الزراعة الذي دعم فكرتي، وقد وافق على مقابلة الجانب الدانماركي، وبدأ في التعاون معهم لتأسيس معمل في مصر، وقد تمت الموافقة على إنشاء المعمل بسرعة بالغة من جانب الحكومة المصرية، وفي الحقيقة لقد كانت هناك رؤية وإرادة لتأسيس هذا المعمل.  

هل قابلتك معوقات بيروقراطية عند تأسيس المعمل الإقليمي للأغذية والأعلاف وماذا فعلتي تجاهها؟

في البداية كانت المعوقات البيروقراطية تقف أمام تدشين المعمل، وكان الحل لهذه البيروقراطية هو صدور قرار جمهوري بقانون بإنشاء المعمل بلوائح مالية وإدارية مستقلة وقواعد مختلفة عن المعامل الحكومية الأخرى، وذلك بقرار جمهوري من الرئيس الراحل محمد أنور السادات لنتفادى القيود البيروقراطية، وقد بدأت العمل بمعمل صغير داخل مركز البحوث الزراعية حيث مدني الجانب الدانماركي بثلاثة أجهزة كبداية لتدشين المعمل الإقليمي للأغذية والأعلاف الذي تحول فيما بعد للمركز الإقليمي للأغذية والأعلاف، ويعد هذا المركز المركز الوحيد الذي لا يطبق عليه اللوائح الحكومية، وله لائحة مالية مستقلة على أن يقدم خدمات مدفوعة الأجر لينفق على نفسه، والعائد منه ينفق من أجل التطوير فيما بعد، وأتذكر أن كل ما أنفقه الجانب المصري وقتها 200 ألف جنيه عام 1980 عام تأسيس المعمل وهى سعر غرفة المعمل في هذا التوقيت الذي بدأت به عملي، وبالتالي بدأت بإمكانات بسيطة للغاية ليكون هذا الصرح العملاق حاليا وهو المركز الإقليمي للأغذية والأعلاف، وهو من المراكز المعتمدة دوليًا من أمريكا.

كيف تم تعظيم هذا الكيان من معمل صغير إلى معمل إقليمي كبير وضخم له اسم دولي؟

استطعنا تكوين ثلاث مباني كبيرة بعد أن كنا بدأنا بمعمل صغير، وكل ذلك بالتمويل الذاتي ولا يوجد ميزانية من الدولة، والشئ الوحيد الذي نحصل عليه من الدولة هى مرتبات الباحثين بالمركز فقط وقد كنا نحصل على تمويلنا في البداية من الجامعات والمؤسسات البحثية التي ترغب في تحليل العينات لدينا، وتطور الأمر لتقديم الخدمات لشركات الاستيراد والتصدير ومربي الدواجن والمزارعين وكذلك تحليل المكونات غير المعروفة في صناعة الأعلاف لتحليلها داخل المعمل من جانب بعض الشركات، فضلا عن تمويل بعض الشركات لبعض الأبحاث التي ستفيدهم في مجال أعمالهم.

 كيف كانت رؤيتك لتكوين كوادر بشرية لهذا الكيان؟

لقد قمت بعمل اتفاقية لإرسال الباحثين بالمعمل في مصر للدانمارك لنقل الخبرات من الخارج على نفقة الجانب الدانماركي، وذلك وفق التخصصات المختلفة، وقد استطعت إنشاء أكثر من 20 قسم من تخصصات مختلفة داخل المركز، وأنا لدى الآن داخل المركز كوادر عالمية مدربة على أعلى مستوى وفي هذا المركز يوجد إمكانات غير متوفرة في أي معمل أو مركز أخر من حيث الأجهزة المتقدمة المتوفرة بداخله، ومن حيث الكوادر الفنية التي تقوم بتحليل الأغذية والأعلاف عبر أجهزة متقدمة للغاية، فضلًا عن الأبحاث المرتبطة بـ تغذية الإنسان والدواجن والحيوانات.

هل تعاونتم مع جهات أخرى بخلاف الجانب الدانماركي؟

نعم لقد جاء الجانب الأمريكي وطلب التعاون معنا من خلال مجلس الحبوب الأمريكي، وقد سافرت أمريكا لمعرفة نظام الرقابة على الحبوب هناك، فوجدت أننا في مصر نستخرج نتائج معملية مختلفة عن الجانب الأمريكي نتيجة عدم وجود بعض الأجهزة المتقدمة ونتيجة الخلاف في المعايير المتبعة، وقد وجدت لدى الجانب الأمريكي أجهزة متقدمة جدًا في هذا المجال وكنت أنا رئيسة الوفد المسافر لأمريكا للاطلاع على تجربتهم في تحليل الحبوب مثل الذرة والقمح، وخلال زيارتي لأمريكا طلبت وكيلة الزراعة الأمريكية مقابلتي وبالفعل قابلتها، وقالت لي إنها تابعت أنشطتي وزياراتي في أمريكا وأنها معجبة بي كرئيسة للوفد المصري سيدة ومصرية، وسألتني كيف يمكن أن أساعدك؟ فأخبرتها بأنني بحاجة إلى معامل مثل التي رأيتها في أمريكا، وأنني أريد ثلاثة معامل أضعهم في مواني إسكندرية وبور سعيد فضلا عن معمل بالقاهرة فوافقت وكيلة الزراعة الأمريكية على الفور، وقد تم تدريب الكوادر لدينا في مصر على هذه المعامل في أمريكا، وقد صدر قرار وزاري وقتها بمسئوليتنا عن تحليل الأعلاف والرقابة عليها، وقد أسسنا فروع معملية لنا في موانئ الدخيلة والإسكندرية وبور سعيد ودمياط من خلال كوادر مدربة تدريب جيد جدًا في كيفية الحصول على العينات من مراكب الشحن بالطرق الصحيحة.

هل حصلتم على اعتماد دولي؟

نعم لدينا اعتماد دولي من أمريكا منذ عام 2004، ويتم تجديده كل عامين من خلال وفد أمريكي يأتي لإعادة التقييم والحصول على شهادة الاعتماد، وقد اتفقنا مع الجانب الأمريكي على تدريب بعض الباحثين من الدول المجاورة في معملنا بدلًا من الذهاب للتدريب في أمريكا حيث يتم دفع تكلفة التدريب لنا فضلا عن تحديث الأجهزة بشكل مستمر داخل المركز، وذلك بموجب اتفاقية وقعت مع الجانب الأمريكي. 

ما مزايا تخصيص لائحة مالية مستقلة لكم؟

هذا يسمح بحصول الباحثين والعاملين على حوافز مقابل عملهم وأدائهم، وبالتالي أدى ذلك لتميز الباحثين، وهو ما شجعهم على الإبداع والعمل وحسن الأداء وهم يعيشون في مستوى دخل يشبه العالم المتقدم.

كيف جاءت فكرة إنشاء مركز لمعلومات الأمن الغذائي؟

جاءت هذه الفكرة من خلال مشاركتي في مؤتمر الزراعة الدولي بروما في إيطاليا داخل منظمة الأغذية والزراعة "فاو"، وقد أنشئ مركز معلومات الأمن الغذائي في عهد وزير الزراعة أمين أباظة عام 2007 بعد تقدمي بمذكرة لوزير الزراعة بإنشاء المركز ليكون بمثابة مركز لإتاحة البيانات الأمن الغذائي خاصة أن معلومات الأمن الغذائي متفرعة بجهات مختلفة لذلك أنشأنا لجنة تنسيقية تضم جميع الوزارات المعنية مثل وزارة التموين والصحة والزراعة والتربية والتعليم والتضامن وبعض منظمات المجتمع المدني بهدف تحليل وعرض بيانات الأمن الغذائي على متخذي القرار لاتخاذ القرار المناسب المبني على المعلومات.

ما الخطط المستقبلية لمركز معلومات الأمن الغذائي؟

سنجري خلال الأيام المقبلة بروتوكول تعاون مع الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء حيث إنني تقدمت بطلب لرئيس مركز البحوث الزراعية بوجود ممثل من الجهاز داخل اللجنة التنسيقية المعنية بمعلومات الأمن الغذائي والتي تضم جهات عديدة، ويعد وجود ممثل للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء مهم للغاية حيث إنه معني ببيانات هامة عن الأسرة والدخل والتغذية ومستويات الفقر وكلها مرتبطة بالأمن الغذائي كما سنعقد بروتوكول تعاون قريبًا مع هيئة سلامة الغذاء لأنها غير ممثلة في اللجنة أيضا بهدف تجميع البيانات كلها عبر مركز واحد للتسهيل على متخذ القرار. كما ندرس أيضا إنشاء منصة إلكترونية لإتاحة بيانات الأمن الغذائي لكل من يحتاجها عبر 4 محاور، وهى محور إتاحة بيانات الغذاء ومحور إتاحة بيانات دخول الأفراد ومستويات الفقر، ومحور سلامة الغذاء ومحور الاستدامة.

أخيرًا ما نصيحتك للباحثين الجدد؟

أود أن أقول لهم لا يوجد شئ مستحيل، ولابد من تحديد هدف ومعرفة وسيلة الوصول إليه، وقد تعلمت في حياتي أنني لا أعرف الفشل، ولابد من التعليم المستمر والدائم، ومصر بها كوادر علمية مميزة، ولدينا آلاف مثل العالم الراحل الدكتور أحمد زويل حول العالم أتيحت لهم البيئة المناسبة للتقدم في علوم مختلفة، والمصريون لديهم صفات مميزة، ولدينا باحثين تخرجوا من المركز الإقليمي للأغذية والأعلاف تخصصوا في علم النانو تكنولوجي، ويعيشون ويعملون حاليًا في أمريكا، وأرى أن مشكلة مصر الوحيدة هى بيروقراطية الإدارة وهو ما يؤخرنا للوراء ونحتاج لمرونة ورؤية للمسئولين لإتاحة الفرصة للكوادر الجديدة.

أخبار متعلقة