تحديات تواجه سوق الدواء.. كيف تُوطن مصر صناعة المواد الخام الدوائية؟

أخر تحديث 2025/08/12 05:10:00 م
تحديات تواجه سوق الدواء.. كيف تُوطن مصر صناعة المواد الخام الدوائية؟

آراب فاينانس: تعد صناعة الدواء في مصر من الصناعات الاستراتيجية، وذات تاريخ كبير حيث يعود تاريخ إنشاء الشركة القابضة للأدوية إلى عام 1934، وتسعى الدولة المصرية حاليًا ضمن خططها المستقبلية لتوطين صناعة الدواء في مصر وجذب العديد من الاستثمارات في هذا القطاع لتقليل الاستيراد وتحقيق الأمن الدوائي.

ويصل حجم سوق الدواء في مصر إلى 300 مليار جنيه سنويا حيث تنتج مصر نحو 91% من احتياجاتها المحلية من الأدوية، مما يجعلها واحدة من الدول المتميزة في المنطقة في صناعة الدواء. كما تمتلك مصر حوالي 172 مصنعًا لإنتاج الأدوية و116 مصنعًا للأجهزة الطبية، بالإضافة إلى 4 مصانع للمستحضرات الحيوية والمواد الخام، و120 مصنعًا لمستحضرات التجميل، وتبلغ عدد خطوط الإنتاج في هذه المصانع حوالي 800 خط، مما يعكس قدرة الصناعة الدوائية في مصر على المنافسة عالميًا وفق وزير الصحة الدكتور خالد عبد الغفار.

كما شهد العام الماضي تداول 3.5 مليار عبوة دواء في مصر، مقابل 3.7 مليار عبوة عام 2023، بحسب تقديرات رئيس هيئة الدواء المصرية على الغمراوي.

تحركات سعر الصرف ترفع من أسعار المواد الخام

من جانبه قال الدكتور إسلام عنان، الرئيس التنفيذي لشركة أكسيت للأبحاث، وأستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة المستقبل في تصريحات حصرية لـ آراب فاينانس إن مصر تعد من أقدم مصنعي الدواء في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، ويغطي التصنيع المحلي حاليًا من إنتاج الدواء نحو 91% من خلال شركات محلية حكومية وخاصة ومتعددة جنسيات، والباقي يتم استيراده من الخارج، لافتًا إلى أن هناك خطة من جانب الدولة لتقليص النسبة المستوردة لوصول نسبة التصنيع المحلي لنحو 96% في عام 2030.

وحول التحديات التي تواجه صناعة الدواء في مصر أوضح عنان أن أبرز التحديات تتعلق باستدامة التصنيع والإنتاج نظرًا لعدد السكان الكبير الذي وصل لنحو 110 مليون نسمة مشيرًا إلى أن الدولة أنشئت هيئة الشراء الموحد في عام 2018 وهو ما يضمن شراء مخزون يكفي على الأقل 6 أشهر ويتيح استدامة التصنيع والإنتاج.

وأكد عنان أن هناك تحدي أخر يتعلق باستيراد المواد الخام التي تدخل في صناعة الدواء من الخارج ويتم استيراده بالطبع بالعملة الصعبة من دولار وغيره وبالتالي هو مرتبط بسعر الصرف المتغير، والذي يؤثر على سعر المنتج النهائي، لذلك قامت الدولة كبداية بإنشاء مصنعين جاري تنفيذهم حاليًا لتصنيع المواد الخام الأولية في إطار خطة لتوطين صناعة الدواء في مصر، وسيحمي توفير المواد الخام محليًا مصر من التقلبات في سعر الصرف وارتفاع أسعار المواد الخام عالميًا. كما أن ذلك مرتبط أيضا بتحقيق الأمن الدوائي كما لدينا في مصر تسعير إجباري للدواء بما يعني عدم تحريك سعر الدواء إلا بالرجوع لهيئة الدواء المصرية والتي تتفاوض مع المُصنع لتحريك سعر الدواء في حالة ارتفاع أسعار المواد الخام أو تغير سعر صرف الدولار مقابل الجنيه حيث يضمن هذا حماية للمستهلك النهائي من محاولات رفع الأسعار دون مبرر من جانب بعض شركات الأدوية.

بينما قال الدكتور صبري الجندي مستشار وزير قطاع الأعمال العام إن هناك 10 شركات دواء حكومية تابعة لوزارة قطاع الأعمال العام فضلًا عن الشركات الأجنبية للدواء في مصر والتي أنشئت منذ الأربعينيات وتعمل في مصر منذ ذلك الوقت حتى الآن، وتتمثل إشكالية صناعة الدواء في مصر في استيراد المواد الخام للدواء لافتًا إلى أنه كان هناك مشروع منذ الستينات لتوطين صناعة المواد الخام للدواء في مصر من خلال إنشاء شركة مصر للكيماويات والتي تصنع المواد الخام للدواء من خلال معامل الأبحاث المصرية وللأسف لم يتحقق هذا الهدف، وظلت الشركة محدودة الإنتاج وظلت مصر تستورد المواد الخام للدواء من الخارج.

خطة لـ توطين صناعة الدواء في مصر

وأوضح أن مصر كانت تستورد المواد الخام للدواء من أمريكا وأوروبا ونتيجة ارتفاع الأسعار عالميًا بدأت تلجأ للشراء من الهند، لافتًا إلى أن هناك محاولات حاليًا لتصنيع المواد الخام للدواء في مصر منها إنشاء مدينة الدواء المصرية، كما لدينا في مصر أكثر من 135 شركة دواء تمتلك مصانع للدواء ويتم إنتاج الدواء في مصر بنسبة تتجاوز 90%.

وأشار الجندي إلى أن المصانع الجديدة للدواء في مصر حاليًا يتم تحديثها بأحدث الماكينات سواء للشركات الحكومية أو القطاع الخاص كما تمتلك مصر أطباء ماهرين وعمالة تاريخية مدربة في مجال صناعة الدواء، ويتبنى الرئيس عبد الفتاح السيسي حلم إنشاء مصانع للمواد الخام في مصر، كما يوجد بوزارة قطاع الأعمال العام حاليًا خطة شاملة لتطوير شركات الأدوية التابعة لها، وهى شركات لها مهمة استراتيجية حيث إنها تبيع الدواء بأسعار مناسبة حتى في حالة ارتفاع الأسعار من خلال تقليل هامش الربح، كما يتم حاليًا إعادة لهيكلة شركات الدواء التابعة للوزارة بما يضمن تطويرها.

وأضاف مستشار وزير قطاع الأعمال العام أن مصر تعد سوق جاذب للاستثمار في قطاع الدواء فهو سوق كبير ويستوعب الكثير من الشركات ولابد من تحفيز المستثمرين، وتسهيل إجراءات التأسيس مع الاهتمام بالرقمنة وإبعاد العنصر البشري الذي قد يعرقل بعض الإجراءات نتيجة الروتين مع وضع قواعد وقوانين واضحة للمستثمر ليكون قادرًا على اتخاذ قرار الاستثمار في قطاع الدواء في مصر.

مصر سوق جاذب للاستثمار في قطاع الدواء

ومن جانبه قال الدكتور علي عوف رئيس شعبة الأدوية بالغرفة التجارية بالقاهرة، إن صناعة الدواء في مصر لها تاريخ كبير ومصر تتميز بالعمالة الماهرة والفنية والعلماء في هذا القطاع فضلا عن الاستقرار الأمني والاقتصادي وبالتالي هى سوق جاذب للعديد من المستثمرين.

وأكد عوف على ضرورة قيام هيئة الدواء بتخفيض الرسوم واصفًا إياها بأنها رسوم مبالغ فيها قد لا تشجع المستثمرين للاستثمار في مصر فضلًا عن سياسة التسعير الجبري حيث يجب أن تكون هناك أسعار عادلة للدواء حسب وصفه.

ينبغي تخصيص دولار جمركي لشراء الأدوية المستوردة المنقذة للحياة

بينما قال محمود فؤاد، المدير التنفيذي لمركز الحق في الدواء، إنه رغم أن صناعة الأدوية تغطي نسبة كبيرة حاليًا من المُنتج من الأدوية في مصر لكن هناك أزمة تحدث بين الحين والآخر في نقص بعض الأدوية المنقذة للحياة والمتعلقة ببعض الأدوية علاج الأمراض المزمنة نتيجة ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري، وهى أدوية تتحكم فيها شركات دولية وشركات متعددة الجنسيات، ولذلك المستورد لهذه الأدوية ينظر للجدوى الاقتصادية عندما يرتفع سعر الدولار ويحجم عن شرائها للسوق المصري وهو ما يؤدي لنقصها بالسوق المصرية لذا يجب أن يكون هناك دولار جمركي يخصص لشراء هذه النوعيات من الأدوية الاستراتيجية بسعر عادل يتناسب مع قيمة هذه الأدوية وذلك من جانب الدولة.

ويرى فؤاد أن فكرة تصنيع المواد الخام في مصر هى مغامرة يجب دراستها جيدًا خاصة أنها صناعة ضخمة، ومكلفة جدًا، والخسائر فيها بالمليارات، وفي حالة نجاحها أيضًا تكون أرباحها كبيرة، لذا يجب الاستعانة بالباحثين من أكاديمية البحث العلمي، ووزارة التعليم العالي ودعمهم، وتوطين هذه الصناعة الهامة في مصر.

وأوضح فؤاد أنه يمكن الاستفادة من تجربة الأردن التي تصدر دواء بقيمة تتجاوز 3 مليارات دولار سنويًا بينما نحن لمنتجاوز تصدير دواء بـ قيمة 1.5 مليار دولار خاصة أننا لدينا سوق كبير وضخم بالقرب منا، وهو السوق الأفريقي يمكن التصدير له والاستفادة منه.

 يذكر أن الدكتور خالد عبدالغفار وزير الصحة والسكان، قد وقع عقد شراكة استراتيجية بين مدينة الدواء المصرية (جيبتو فارما) وشركة أبوت الأمريكية للصناعات الدوائية، وذلك للتوسع في توطين إنتاج الدواء محليا، بأسعار اقتصادية تناسب المواطن المصري، وبجودة عالمية وذلك وفق الموقع الرسمي لمجلس الوزراء. 

وأنشئ مشروع مدينة الدواء المصرية (GYPTO pharma) على مساحة 180 ألف متر، مقسمة إلى مصنعين، ينتجان كل الأشكال الصيدلية، من أقراص، وكبسولات، وفوارات، ومستحضرات دوائية للشرب، والكريمات، عبر تكنولوجيا تُصنف الأعلى جودة في العالم، وقد راعت الدولة المصرية في تنفيذ المشروع أن يتم تنفيذه بماكينات تعتبر الأحدث في العالم؛ حيث جرى توريدها عبر موردين لكل منهم "علامة فارقة" بمجال صناعة الدواء العالمية، وهي شركات أوربية وأمريكية، كما تطبق مدينة الدواء ما يُعرف بـ ممارسات التصنيع الجيد للدواء مع الاهتمام بالموارد البشرية لتوفير عمالة مُدربة ومُحترفة.

وكشفت نشرة التجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ارتفاعًا بصادرات الأدوية خلال عام 2024 لتبلغ 447.1 مليون دولار مقارنة بـ354 مليون دولار خلال عام 2023 بزيدة نسبتها 26.1%.

وسجلت واردات قطاع صناعة الأدوية والمستلزمات الطبية في مصر 1.03 مليار دولار (52 مليار جنيه) خلال أول 3 أشهر من 2025، مقارنة مع 1.05 مليار دولار (53.4 مليار جنيه) خلال نفس الفترة من 2024، محققة تراجع 2% على أساس سنوي.

واردات مصر من خامات تصنيع الأدوية

واستحوذت واردات مصر من خامات تصنيع الأدوية والمستلزمات الطبية على 5% من إجمالي الواردات المصرية خلال الربع الأول من 2025 وفق بيانات التجارة الخارجية الصادرة من الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات.

ووفق بيان رسمي لمجلس الوزراء فإن قيمة الصادرات المصرية من الدواء والمنتجات الطبية وصلت خلال عام 2024/2025 إلى 1.5 مليار دولار، ومن المستهدف الوصول بها إلى 3 مليارات دولار بحلول عام 2030، وفيما يتعلق بالمواد الفعالة وغير الفعالة، أكد بيان مجلس الوزراء أنه تم توطين 129 مادة فعالة، كانت تكلفة استيرادها 633.7 مليون دولار، كما تم البدء في التفاوض على توطين 30 مادة غير فعالة من إجمالي 280 مادة، تمثل أكثر من 60% من الاستيراد.

وحسب الدكتور خالد عبد الغفار وزير الصحة فإن  المبادرة الخاصة بتوطين صناعة المواد الخام غير الفعالة، تستهدف تحقيق كفاءة اقتصادية مستدامة من خلال توطين صناعة 280 مادة غير فعالة، موضحاً أنه سيتم البدء بـ 30 مادة، والتي تمثل أكثر من 60% من فاتورة استيراد المواد الخام غير الفعالة، مؤكداً دور هذه المبادرة في خفض الفاتورة الاستيرادية.

اخبار مشابهة