الفجر الخادع

أخر تحديث 2023/03/08 12:41:00 م
الفجر الخادع

بدأ العام الجاري بتفاؤل اقتصادي عالمي على خلفية عودة قوية للاقتصاد الصيني بعد إلغاء القيود التى فرضت بسبب الكوفيد؛ وصاحب ذلك هبوط شديد فى أسعار الغاز الطبيعي بالمقارنة بأسعاره القياسية مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية، مما أعطى بعض الارتياح للاقتصاد الأوروبي؛ وأخيرا تصريحات الفيدرالي الأمريكي عن قرب نهاية دورة رفع أسعار الفائدة على خلفية بدء هبوط التضخم هناك. على إثر هذا التفاؤل بدأت الأسواق فى تخفيض توقعات معدل الفائدة فى آخر العام الحالي فى واحدة من أعجب مفارقات السوق.

حتى صندوق النقد الدولي قام بمراجعة توقعاته للنمو لعام 2023 لمعدلات أعلى. فى خضم هذا التفاؤل العام، أخذت أسعار الأصول العالمية دفعة قوية؛ حتى البيتكوين، وهو من أردأ أنواع الاستثمار على الاطلاق، وصل لأعلى أسعاره منذ الصيف الماضي. وبذلك أسدل الستار على متاعب عام 2022 من هبوط أسعار الأصول العالمية وعملات الدول النامية وحتى أسعار السندات، أو هكذا بدا الأمر. ولكن هيهات أن تكون تلك هى النهاية. فشهر العسل القصير على وشك الانتهاء وهذا الفجر الجديد على وشك أن نتذكره فى خلال شهور معدودة على أنه فجر خادع أو False Dawn كما يقول المصطلح الإنجليزي الدارج.

توقعت فى مقال سابق أن الجزء الأصعب فى الدورة الاقتصادية الحالية على وشك أن يبدأ ولكن يبدو أن الدورة أبت أن تشتد بدون أن يكون لها ضحايا جدد من مصدقى الفجر الخادع. فالتضخم يبدو أنه سيكون عصيا على القهر والتعبير الذى يستخدمونه هو Sticky Inflation، خاصة فى جزئية الخدمات والبطالة والمرتبات وهى الجزئيات التى عانت كثيرا فى المرحلة الأولى من كوفيد.

كذلك عودة الاقتصاد الصيني على قدر ما هى محمودة كقوة دافعة إضافية للاقتصاد العالمي، فدخول الصين من جديد إلى عدة أسواق معناه ارتفاع أسعار العديد من السلع مثل النحاس، معطيا دفعة إضافية للتضخم. حتى البترول وهو السلعة الأكثر تأثيرا على التضخم العالمي، رفعت أوبك مؤخرا توقعاتها للطلب العالمى فى 2023 على خلفية عودة الاقتصاد الصيني.

منذ أسابيع معدودة بدأت الأسواق فى مراجعة توقعاتها لسعر الفائدة على الدولار متوقعة صدق تصريحات الفيدرالي الأخيرة عن قرب نهاية دورة رفع سعر الفائدة ولكنهم يتوقعون أن تظل أسعار الفائدة مرتفعة لفترة طويلة. أسعار الفائدة تحتاج حوالى 18 شهرا حتى يكون لها صدى فى الاقتصاد الكلي ومعنى أن تظل الفائدة مرتفعة لفترة أطول أن الأسواق ستبدأ عاجلا أو آجلا فى مراجعة تقييماتها للأصول فى ضوء سعر الفائدة المرتفع مما سيعيدنا قرب أدنى مستويات أسعار الأصول فى 2022، وتقديري أننا سنهبط إلى مستويات أقل منها بكثير.

الخطورة الحقيقية فى تقديري ليست فقط هبوط أسعار الأصول وزيادة احتمالات الركود العالمي بل وإدراك صندوق النقد الدولي تسرعه فى مراجعته لمعدلات النمو العالمي فى 2023، الأخطر من كل ذلك هو ما أشار إليه عدد من الاقتصاديين ومنهم الأمريكي من أصل مصري د. محمد العريان، وهو أن يكون التباطؤ الاقتصادي القادم أطول أمدا من المتوقع، وهي فى رأيي أهم مخاطر العام على الإطلاق، ومن الممكن أن يتسبب فى تحويل الضغط على أسعار الأصول إلى كارثة تأتى من اتجاه قد لا نراه اليوم، أو قد نظن أنه قد يتسبب مشكلة لا ترقى لمستوى الكارثة.

مثال على ذلك، الأسواق الناشئة والتى استطاعت حتى الآن المرور بسلام من الأزمة ولكن أذكركم بتوقعي أننا دخلنا دورة مماثلة لدورات الثمانينيات والتسعينيات والتى شهدت حالات إفلاس متعددة لدول كبيرة، كذلك سوق العملات الرقمية والمشفرة Crypto Currencies، والذى صار حجمه كبيرا بما يكفى ليسبب أزمات.

وقد رأينا شيئا مشابها العام الماضي مع مشاكل FTX وهى أحد أكبر مقدمي الخدمة فى هذا السوق.. أما محليا فالروشته ما زالت هى التى كتبناها منذ عامين أو أكثر، خطة واضحة يتم تنفيذها باحترافية وسلاسة، أما الخطة فموجودة وهى برنامج صندوق النقد وأما التنفيذ فقد بدأنا فيه ولكن يتبقى الكثير لتنفيذه حتى نمر من الأزمة.

بالتعاون مع جريدة الشروق

العلامات
مصر

مقالات الرأى المتعلقة

محمد الهوارى

يشغل محمد الهواري منصب مدير صناديق استثمار تحوط أوبليسك منذ عام 2018. بعد حصوله على شهادة البكالوريوس في إدارة الأعمال من الجامعة الأمريكية في القاهرة عام 1995، عمل في شركة العائلة المتخصصة في مجال الحديد والصلب حتى حصوله على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال. أنشأ بعدها مكتب الاستثمار العائلي الذي تحول فيما بعد لشركة الأندلسية للاستشارات المالية والاستثمار، ثم شغل منصب مدير صناديق الشرق الأوسط لشركة جروفن لإدارة الصناديق قبل أن يشارك في إنشاء صناديق أوبليسك.