كيف تخفض الحكومة الديون المحلية؟.. خبراء يوضحون

أخر تحديث 2025/01/15 02:35:00 م
كيف تخفض الحكومة الديون المحلية؟.. خبراء يوضحون

آراب فاينانس: أكد اقتصاديون، على ضرورة توجه الحكومة نحو اتخاذ عدد من السياسات المالية التي تعمل على خفض الديون المحلية عبر عدة حلول.

وشدد خبراء تحدثوا لـ آراب فاينانس على أن هناك إمكانية لخفض الديون المحلية، والتي ارتفعت في مصر خلال الربع الثالث من 2024 بنحو 6.5% ليصل إلى 13.3 تريليون جنيه بنهاية سبتمبر مقابل 12.5 تريليون جنيه بنهاية يونيو، وذلك بحسب بيانات وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي.

وكان وزير المالية، أحمد كجوك، قد كشف في تصريحات إعلامية له أن مصر بصدد الانتهاء من إعداد استراتيجية خفض الدين العام لمصر في المدى المتوسط، وستعلنها خلال الربع الأول من العام الجاري موضحًا، أن الاستراتيجية التي يتم إعدادها حاليًا لخفض الدين ستكون أكثر اتزانًا وشمولًا.

وأضاف أن مصر تستهدف خفض نسبة الدين إلى 85% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي الحالي.

لا يجوز قيام البنك المركزي بتسديد الديون الحكومية مقابل الأصول

من جانبه قال الدكتور عز الدين حسانين المصرفي وأستاذ التمويل والاستثمار في تصريحات حصرية لـ آراب فاينانس إن البنوك في مصر هى أكبر دائنة للحكومة، وفي حالة قيام الحكومة بتسديد هذه الأموال للبنوك ستضطر لطبع هذه النقود لتسديد الديون، وهو ما سيفاقم التضخم في البلاد موضحًا أن الفكرة التي طرحها بعض رجال الأعمال والتي تطالب بقيام البنك المركزي بإدارة بعض أصول الدولة مقابل تسديد الديون التي لدى الحكومة للدائنين سيجعله في معزل عن البنوك المركزية حول العالم لأنه من غير المسموح له دوليًا القيام بهذا الإجراء فليس من مبادئ البنوك القيام بهذا العمل.

ويوضح حسانين أن قيام البنك المركزي بتسديد الديون الحكومية وفق ما طرحه بعض الاقتصاديين مؤخرًا مخالف للاتفاقيات الدولية المعروفة ببازل 1 وبازل 2 وبازل 3 لرأس المال الموقعة عليها مصر والتي تجعل البنوك المركزية حول العالم تعمل وفق نظام واحد لابد من الالتزام به حيث لا يوجد أي من بنوك العالم تشتري أصول الدولة وتديرها وتتربح منها بل مسموح فقط بالمساهمة بنسب غير حاكمة في بعض الشركات.

ويشير إلى أن ما يطرحه بعض الاقتصاديين بتدخل البنك المركزي لتسديد الديون الحكومية مقابل حصوله على بعض الأصول الحكومية  يتعارض مع الإطار الذي يحدده بنك التسويات الدولية لعمل البنوك، وهو ما يجعل البنك المركزي المصري يخرج عن الإطار العالم للبنوك المركزية حول العالم حيث لا يحق للبنوك المركزية حول العالم القيام بالأعمال التجارية والتربح فهو الذي يملك المطبعة ومن حقه طباعة النقود فهو ليس في حاجة إلى الربح بينما مسموح له فقط أن يساهم بنسبة محددة وألا يكون له النسبة الحاكمة في المؤسسات التجارية أو الصناعية أو المالية.

وحول البدائل الأخرى لهذا الطرح لتصفير الديون وتخفيضها يرى حسانين أنه يمكن تحويل أذون الخزانة والتي تتسم بأنها قصيرة المدى بسندات طويلة الأجل لمدة نحو 5 أو 10 سنوات، وهو ما سيوفر على الدولة أقساط شهرية أو ربع سنوية ونصف سنوية أو سنوية ملزمة بتسديدها ومد أجلها لنحو 10 سنوات أو من خلال ما يسمى بمبادلة الديون بالأصول من خلال مساهمات بنسب محددة ولتكن 5% مثلًا في البنك الأهلي أو بنك مصر او بنك القاهرة أو بنك سي آي بي أو بنك كيو إن بي وهى أكبر 5 بنوك في مصر، والحكومة لها نسب مساهمة بها كما يمكن أن تتحول الديون التي لدى البنوك للحكومة لأسهم على سبيل المثال في صندوق سيادي  يشرف عليه خبراء متخصصين وفنيين.

وأشار حسانين إلى الأزمة الاقتصادية الأمريكية عام 2008 والتي واجهتها الحكومة هناك من خلال الفيدرالي الأمريكي تحت مسمي التيسيير الكمي، وذلك أثناء مشكلة الرهن العقاري الأمريكية والتي ضربت مؤسسات وبنوك وشركات كبري وأفلست العديد منها، فقام البنك الفيدرالي الأمريكي حينها بتوجيه رئاسي وإتفاق عام من مجلس النواب والشيوخ علي تقديم حزم إنقاذ مالية لهذه الشركات ولفترة مؤقتة يتم فيها قيام البنك الفيدرالي بشراء أسهم من هذه الشركات والمؤسسات والبنوك مقابل تعويم هذه الشركات، وإنقاذها من عثرتها علي أن يقوم الفيدرالي بعد مرور الأزمة ببيع الأسهم مرة أخري لهذه المؤسسات وخروج الفيدرالي والدولة من هذه المساهمات.

حلول لعلاج أزمة الدين المحلي

ويقترح حسانين لعلاج مشكلة الدين المحلي في مصر تحويل 50% من المديونية المستحقة علي الحكومة في شكل أذون خزانة إلى سندات حكومية بضمان وزارة المالية، وتكون مدتها 10 سنوات، وبذلك نضمن تحويل التزامات مدتها من شهر إلى سنة إلى التزامات مدتها 10 سنوات لا يتم فيها أية أعباء حكومية علي موازنة الدولة سوى الفوائد فقط خلال مدة السندات علي أن تسدد أصول السندات في تاريخ استحقاقها بعد 10 سنوات ، ويتم تحويل الـ 50% الأخرى المستحقة للبنوك وشركات التأمين وبعض المؤسسات إلي مساهمات في بنوك ومؤسسات وشركات حكومية، ومن الممكن وضع شرط مالي وهو ألا يقل العائد من امتلاك الأسهم في نهاية العام عن العائد علي أذون الخزانة المصدرة من وزارة المالية في حينه .

بينما يرى الدكتور أدهم البرماوي مدرس المالية العامة بالمعهد العالي للإدارة بكفر الشيخ المعضلة الأساسية في الاقتصاد المصري هى الدين العام حيث تمول الحكومة الدين العام من أموال البنوك خاصة أن السبب الرئيسي للتضخم ليس سياسات البنك المركزي بينما السبب في تفاقم التضخم هو الدين الحكومي والسياسات المالية حيث زاد الدين الحكومي خلال الـ 15 عامًا الأخيرة من 512 مليار جنيه إلى أكثر من  12 تريليون جنيه حاليا في حين زاد خلال الـ 6 أشهر الماضية فقط بـ 800 مليار جنيه، وهو ما جعل الحكومة في دائرة مفرغة ومستمرة لتسديد الدين العام.

ويشير البرماوي أن البنك المركزي وفق القانون المصري غير مسموح له بإدارة الأصول حتى عندما يؤول إليه أصل نتيجة المديونية لدى أحد فيسمى محاسبيًا أصول آلت إلى البنك ويكون هناك مدة محددة للاحتفاظ بهذا الأصل حيث لا يجوز له إدارة الأصول قانونًا لأن البنك هو وسيط مالي وليس مستثمر لأن نقل المديونية من الحكومة إلى البنك المركزي يحول دور البنك المركزي من وسيط مالي إلى وزارة استثمار، وبالتالي فالحل لتخفيض الديون المحلية يكمن في تخارج الدولة من بعض القطاعات الاقتصادية لإعطاء الفرصة للقطاع الخاص واستخدام عائدات التخارج في تخفيف حدة الدين العام وتخفيضه مع ضرورة انكماش وتقشف الدولة في الإنفاق الحكومي.

إعادة هيكلة الموازنة العامة للدولة وفق أسس علمية

وشدد البرماوي على ضرورة زيادة القاعدة الضريبية لتشمل عدد أكبر ممن لا يدفعون الضرائب بدون المساس بمحدودي ومتوسطي الدخل كما لابد أن تعيد الدولة إعادة هيكلة الموازنة العامة للدولة والالتزام بوحدة وعمومية الموازنة واتباع الأسس العلمية في صياغة الموازنة العامة للدولة حيث هناك مخصصات لبعض الهيئات لا تدخل ضمن الموازنة العامة للدولة، وبالتالي لابد من إخضاع بعض الموارد والمخصصات التي لا تخضع للموازنة العامة للدولة لتدخل ضمن موارد وإيرادات الدولة وهو ما سيحد من الدين العام للحكومة.

بينما تقترح الدكتورة سهر الدماطي الخبيرة المصرفية وضع الأصول غير المستغلة للدولة ضمن صندوق سيادي وإدارته عبر خبراء متخصصين مثل أصول وأراضي الشركات القابضة والتابعة لوزارة قطاع الأعمال العام وحصرها للاستفادة منها وتسديد الديون من هذا الصندوق لافتة إلى أن هذه أسرع طريقة لسداد الديون المحلية وفوائدها.

تخفيض الديون المحلية يسمح بالإنفاق على أنشطة تعاني من العجز

وأوضحت الدماطي أن تخفيض الديون المحلية الحكومية سيسمح للحكومة بالإنفاق على بعض البنود في الموازنة العامة للدولة التي تعاني من بعض العجز مثل التعليم والصحة بالشكل الأمثل كما سيسمح بحياة كريمة للمواطنين من خلال زيادة الإنفاق على بعض الأنشطة التي تعاني من العجز مثل الإنفاق على الصحة العامة والمستشفيات والمدارس والجامعات والبحث العلمي كما تؤدي هذه السياسات المالية إلى استقرار اقتصادي واجتماعي بالدولة.

  وقالت الدكتورة يمن الحماقي رئيس قسم الاقتصاد الأسبق بجامعة عين شمس إن مصر مليئة بالطاقات الإنتاجية التي يمكن استغلالها وذلك لتحريك وزيادة الإنتاجية ورفع قيمة التصدير للخارج بما ينعش الاقتصاد المصري ويخفض المديونية.

وأضافت الحماقي أننا نعيش حاليًا ما يسمى في الاقتصاد "مواجهة اقتصاد الأزمة" حيث انخفض مؤشر مدير المشتريات فضلا عن المشروعات المتعثرة في الوقت الذي تقول فيه الدولة أنها تشجع الاستثمار وتستهدف رفع وزيادة مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد المصري بنسبة 65%.

إنعاش الشركات المتعثرة

واقترحت الحماقي قيام عدد من البنوك المصرية الدائنة للحكومة بدور مدير الاستثمار لتأمين مديونياتها عبر تشكيل مجالس إدارات من الأكفاء لبعض الشركات المتعثرة التي عليها ديون لدى البنوك حيث تتعامل البنوك كمالكة لهذه الشركات حتى تنتعش هذه الشركات اقتصاديًا وهى أحد الوسائل لخفض الدين المحلي مثلما حدث بالأزمة الاقتصادية الأمريكية عام 2008.

 

أخبار متعلقة